الجنون الأميركي الذي تُعبر عنه إدارة الرئيس دونالد ترامب بهذه الأثناء، يَجِدُ البعض فيه بُعداً انتخابياً، بمعنى الكثير من الصّخب، والقبول بالقليل من الإنجازات، التي من شأنها أن تَحمل ترامب لولاية رئاسية ثانية، فيما يُحذر كثيرون من أنه الجنون الذي لا يُشكل استثناءً، وإنما هو امتداد لحماقات مَفاعيلها ما زالت تَضغط على العالم، تُهدده بأمنه واستقراره.
القراءةُ الهادئة لكثير ما يَصدر عن واشنطن من مَواقف الحماقة عنوانها، لا تَدع مجالاً للشك من أنّ إدارة ترامب تَمتهن الجنون، وتذهب بفجور إلى ما تَهيبت سابقاتها الذهاب إليه تلميحاً لا تصريحاً، تُترجمه هذه الإدارة فعلاً، مُمارسات وإجراءات مباشرة، ما يَعني أن البُعد الانتخابي حتى لو كان حاضراً، فإنه لا يُغطي إلا مساحة ضئيلة جداً من مساحات الفجور والحماقة التي تتحرك فيها إدارة ترامب!.
كي لا نَغرق أو نَضيع في كثير حماقات إدارة ترامب، وكي نَصلَ لاستنتاجات عميقة ولأحكام صحيحة وموضوعية، دعونا نَعتني فقط بالتطورات الخاصة بعلاقة الولايات المتحدة مع الصين وروسيا، وبما تَفتعله في الخليج لاستهداف إيران، وبمُحاولتها الالتفاف على هزيمة أذرعها الإرهابية في سورية.
لا شيء يُمكن العثور عليه في الموضوعات إياها إلا ويُدلل على التصعيد بجنون، فالانسحاب من المناطق التي تحتلها القوات الأميركية في سورية، الذي كان مُقرراً، وتَأجّل، ثم اكتنفَه الغموض وسط توجيه الدعوات لشركاء واشنطن بتحالف العدوان لإرسال قوات برية إلى هناك، هو ليس انسحاباً حتى لو تم، وإنما هو تصعيدٌ بالموقف، تُؤكده الإجراءات التي تُشير إلى أن واشنطن ما زالت تُقيم في مُربع استهداف وحدة سورية، سيادتها واستقرارها، وهو خيارٌ مَجنون وخطوة لا يتخذها إلا الأحمق من بعد كل الذي حصل!.
في العلاقة مع روسيا والصين، لا يُوجد إلا ما يُؤشر إلى ارتفاع مستويات التصعيد والجنون الذي يُقدم ويُمهد لارتكاب حماقات كبرى غير مَسبوقة، إذ لا يُعبِّر الانسحاب الأميركي من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة وقصيرة المدى، والسعي لنشر منظومات صاروخية في آسيا، إلا عن الهروب الأميركي إلى الأمام، تَصعيداً، تَهديداً لقُطبين عالميين، ولقُوتين عُظميين تَنتميان للنادي النووي، ما يَعني أنّ التفجير بات خياراً أميركياً في ظل العجز عن مُواجهتهما في السياسة والاقتصاد والدبلوماسية!.
وأمّا في الخليج، فإنّ ما تقوم به الولايات المتحدة يَنطوي على ما هو أكثر خطورة على الإطلاق، ذلك أنها تُحاول ضرب كل خصومها الإقليميين والدوليين، وليس إيران ومحور المقاومة فقط، ذلك من خلال مُحاولة فرض مُعادلات جديدة تُسيطر من خلالها على أعالي البحار والمضائق والممرات المائية، لطالما كان ذلك واحداً من أهم أهداف أميركا، وأحدَ أهم عناصر قيام امبراطوريتها العظمى التي لا تموت، وقد عجزت عن تحقيقه منذ جرى طرحه في مُنتصف تسعينيات القرن الماضي!.
الجنون الأميركي، هو واقعٌ تَفرضه الرؤوس الحامية في واشنطن على العالم، كما لا يُمكن إنكاره، وكما لا يُمكن الخضوع له، فلا يمكن التعاطي معه إلا من زاوية وجوب حماية العالم من تَبعاته، وهي الزاوية التي إذا ما تَمّ حشرُ الولايات المتحدة فيها، فإن أعظم هدفين سيَتحققان للبشرية، أولهما حماية شعوب ودول العالم من شرور أميركا، والثاني إسقاطها من دون الذهاب معها إلى الحرب.
علي نصر الله
التاريخ: السبت 10-8-2019
الرقم: 17046