عندما بدأت بكتابة هذه المقالة كان الجيش العربي السوري وحلفاؤه في سبيلهم للسيطرة على طريق حلب الواقع شمال خان شيخون، ثم وردتني تقارير تفيد بأن القوات السورية لم تكتف بقطع الطريق فحسب، بل أخذت سبيلها جنوب الطريق السريع الأمر الذي أثار الذعر في صفوف المتطرفين ودفع بهم للتراجع على وجه السرعة شمال هذا الطريق.
ذكرت مصادر يوم الثلاثاء الفائت أن المسلحين انقسموا إلى مجموعات صغيرة في محاولة منهم لاختراق الريف المفتوح، وهم يقاتلون بما يملكون من سلاح لكن من المؤكد أنه لن يكون لديهم تموين أثناء الاختباء من الطائرات.
قامت تركيا بإطلاق طائرتين من طراز F-16 في محاولة لعرقلة تقدّم الجيش العربي السوري، بيد أن طائرات روسية من طرازS-35 حالت دون تحقيق أهدافها وتمكّنت من ملاحقتهما وطردهما على نحو سريع، إذ تشكّل تلك الطائرات الغطاء الجوي لطلعات سلاح الجوي السوري في المنطقة.
ويبدو أن الدور التركي الذي يزعم تأدية دور الضامن لوقف إطلاق النار – في حين يدعم الإرهاب المتطرف- آخذ بالأفول والاندحار.
وفي هذا السياق، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن روسيا تساند تقدّم الجيش السوري وتعمل على حماية العمليات الجوية السورية ضد التدخل التركي.
وأعترف بأنني لم يسبق لي أن شاهدت مثل هذا التحوّل الكبير في الأحداث التي تتزامن مع بعضها البعض كما أشاهده في الوقت الراهن، فوحدات من الجيش السوري تتابع عملياتها باتجاه مواقع انتشار مسلحي «جبهة النصرة» والمجموعات المتحالفة معها بريف إدلب، وتوسع على نحو سريع نطاق سيطرتها في ريف خان شيخون الغربي في الريف الجنوبي لإدلب بعد أن كبدتهم خسائر كبيرة.
ومن الواضح أن المسلحين باتوا يتعرّضون للمخاطر عند تنقلهم من موقع إلى آخر ذلك لأن الطائرات السورية والروسية تحلق في الأجواء باستمرار وعلى مدار الساعة بهدف دعم هجمات القوات البرية السورية التي تتولى قصف مواقع القوات المعادية ومخازن الأسلحة والذخائر ومراكز القيادة لتلك القوات، وسيظهر بشكل لاحق مدى التأثير الذي تحدثه العمليات العسكرية في هذا المضمار.
ومع ذلك ينتابنا القلق إزاء احتمال بعض التغيير في موازين القوى لأن لتركيا حدوداً مفتوحة مع المسلحين تمكّنهم من الحصول على كل ما يحتاجونه للقتال والسيطرة على إدلب وعرقلة الدولة السورية من استعادة تلك المواقع، وتكتنفي الهواجس من إعادة إمداد تركيا لمسلحي خان شيخون.
في 19 آب أدلى بوتين بتصريح قال به أنه يدعم سورية بالكامل في كل ما يراه يدور على أرض المعركة، وهذا يعني أن القوات العسكرية الروسية ستشارك بشكل فعلي في المعارك التي يخوضها الجيش السوري، لكن، مع ذلك، تركيا أعلنت بوقاحة عن إرسال رتل إلى خان شيخون.
وجرى قصف القافلة التي كانت تحمل أسلحة ثقيلة وذخيرة الأمر الذي أثار الاستغراب والدهشة بالنسبة للعديد، ما أدّى إلى إنهاء مجهود إعادة الإمداد، وذكرت القيادة التركية أن ثلاثة مدنيين قضوا نحبهم وجرح عدد آخر في تلميح منها إلى أن المدنيين هم من تولوا عملية التزويد بالأسلحة والذخائر لمسلحي خان شيخون ذلك لأن الجيش التركي يتجنّب الخوض في صراع مسلح مع جهة ذات قدرات قتالية عالية.
إن تمكّنت القوات المسلحة السورية من القضاء على هذا الجيب الذي تدعمه تركيا فسيكون الجيش السوري قادر على شنّ هجوم لم يسبق له مثيل، الأمر الذي يدفع بالمتطرفين تجاه الحدود التركية، ولا ريب أنه مجرد انتهاء معركة خان شيخون فإن القيادتين السورية والروسية ستبحثان عن هدف آخر.
سنشهد في الأيام المقبلة الكثير من التحولات والانعطافات الجديدة، ومن الممكن للوضع أن يتغيّر مرة أخرى، لقد مررنا تارة بالغبطة وتارة أخرى بالاكتئاب وتكرر ذلك مرات عديدة خلال الحرب العصيبة الطويلة، لكن الشعب السوري لا يستحق ما ألمّ به من مصائب ذلك لأنه لم يمثل في أي حين تهديداً لأي جهة كانت.
New Eastern Outlook
ترجمة ليندا سكوتي
التاريخ: الأحد 25-8-2019
الرقم: 17055