كان التفاهم الروسي التركي الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات في سورية حاسماً ومثيراً واستفزازياً، لكن الأطماع التركية في الأراضي السورية ولّدت عجزاً في الثقة ببعضهما البعض نتيجة تراجع الجانب التركي ولأكثر من مرة عن احترام ومراعاة احتياجات ومتطلبات الاتفاقات ما أصاب العلاقات بينهما بالتخلخل والاضطراب وربما بالطلاق وهذا واضح في التحركات الروسية والتركية في الأراضي السورية وما يجري في إدلب ومحيطها في شمال غربي سورية هو الاختبار الجدي لالتزام الأتراك بالمحور الروسي التركي. في الأسبوع الماضي، دفع التقدم الكبير الذي قامت به قوات الحكومة السورية واستعادت من خلاله مدينة خان شيخون الاستراتيجية، والتي كانت في أيدي الإرهابيين منذ عام 2014 وتعتبر آخر معاقلهم في طوق ريف حماة، دفع تركيا للمسارعة لمساعدة مرتزقتها في إدلب والذين تدعمهم منذ بدء الحرب في سورية وإنقاذهم من الانهيار، فأُرسلت قافلة عسكرية كبيرة للحفاظ على طرق الإمداد المفتوحة للمسلحين يوم الاثنين الماضي.
هذا التصرف الأرعن من أنقرة دفع دمشق ودفاعاً عن سيادتها على أرضها للقيام بهجوم جوي شنته طائرات حربية سورية وروسية لقطع الطريق أمام القافلة، ووفقاً للتقارير المختلفة، شملت القافلة التركية 50 مركبة عسكرية، بما في ذلك الدبابات والشاحنات التي تحمل أسلحة ومعدات عسكرية لإرهابيي تحرير الشام وجبهة النصرة التابعة لـ القاعدة متمركزة في خان شيخون.
وهكذا اندلعت حرب كلامية حادّة بين موسكو وأنقرة، وألقت وزارة الدفاع التركية باللوم على روسيا في بيان صدر يوم الاثنين، أما مولود أوغلو وزير الخارجية التركي فقد حذّر في مؤتمر صحفي في أنقرة من أن دمشق (تلعب بالنار)، وكأن الضربة الجوية السورية – الروسية للقافلة التركية تمّت على الأراضي التركية وليس في الأراضي السورية وكأن دمشق هي من تساند وترسل تعزيزات للمسلحين ضد الحكومة التركية، وتدّعي تركيا بأن القافلة كانت تحمل فقط مواد وإمدادات لمركز المراقبة العسكري التاسع في إدلب، الذي تم إنشاؤه بموجب اتفاق مع روسيا في أيلول الماضي وبأنها أخطرت السلطات الروسية بالقافلة التركية قبل أن تبدأ رحلتها في الساعة 5:30 صباحاً، لكن القافلة رغم ذلك تعرضت للقصف، ويشير البيان التركي، إلى أن روسيا غضّت الطرف عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين، بمن فيهم جندي تركي في تلميح بأن أنقرة تحاول حالياً تحديد ما إذا كان فشل روسيا في إيقاف الضربة الجوية كان مهملاً أم مقصوداً بحسب البيان التركي.. ولذلك ووفق تسريبات من أنقرة، فقد وصل المتحدث الرئاسي إبراهيم كالين ورئيس المخابرات التركية هاكان فيدان على عجل وسراً إلى موسكو يوم 20 آب والتقيا بنظرائهم الروس.
ولكن حقيقة المشكلة هي أن اتفاق أيلول 2018 أجبر أنقرة على تجميد الجماعات المتطرفة في إدلب ولكن ظاهرياً وشكلياً وبشكل مؤقّت، ولكن على أرض الواقع قام الإرهابيون منذ ذلك الحين بتوسيع وجودهم في المحافظة وبدؤوا بمهاجمة القاعدة الروسية في مطار حميميم والقوات السورية القريبة من إدلب.
لقد تحمّلت روسيا اللغة المزدوجة لتركيا لمدة عام وخلال الأشهر الستة الماضية، كانت موسكو تقول بأن تركيا لم تف بالوعود التي قطعتها خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، وتضمنت هذه الوعود إعادة تفعيل الطريق السريع M5 الذي يربط إدلب بحماة والطريق M4 الذي يصل حلب بدمشق، وإبعاد الجماعات الإرهابية من مناطق خفض التصعيد، وتسليم المرتزقة أسلحتهم الثقيلة إلى القوات الروسية، لكن الصبر مرهق، وخاصة أن قاعدة حميميم الجوية مهدّدة باستمرار بالهجمات الإرهابية.. وبالنسبة لدمشق فإن تحرير خان شيخون هو مكسب مهم من الناحية العسكرية ليس فقط لمحاولة الجيش السوري استعادة كل شبر من سورية، ولكن أيضاً لأن الطريق السريع اتوستراد دمشق – حلب يمر عبر هذه المدينة.
لقد تجاهلت موسكو الأتراك خلال الزيارة التي قام فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فرنسا الاثنين الماضي وصرّح الرئيس الروسي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي مانويل ماكرون بأن روسيا تدعم جهود الحكومة السورية المستمرة ضد الإرهابيين في إدلب. بوتين ذكر أنه وقبل إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب من قبل تركيا كان الإرهابيون يسيطرون على 50% من أراضي المحافظة ولكن الآن 90% من أراضي إدلب تحت سيطرة الجماعات الإرهابية.
تدفع تركيا ثمناً باهظاً بسبب سياساتها الخاطئة والسيئة، لقد تجاوزت كل الحدود في سورية، لكن هذا ليس كل شيء…. لم يكن يجب عليها أن تشارك في المؤامرة العالمية التي تقودها الولايات المتحدة لضرب الحكومة والاقتصاد السوريين ومحاولة تقسيم سورية؛ كان تحالفها مع الجماعات الإرهابية (ولا يزال) غير مفهوم؛ سعيها لتدمير الدولة السورية مخالف للقانون الدولي وفي الوقت نفسه، فإن تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة ظاهراً يضرب تركيا بشدة، فواشنطن ليست في حالة مزاجية لقبول مخاوف تركيا ومصالحها الحيوية تجاه القضية الكردية، لكنها أي واشنطن وعلى ما يبدو راضية من جانب آخر كل الرضا عن أنقرة وعن أدائها ودورها (التخريبي) في سورية ما جعل الرئيس الأميركي ترامب يعطي أخيراً الـ (ok) لأردوغان بإقامة منطقة آمنة شمال سورية مكافأة له وتقديراً لخدماته (الأكثر من رائعة) في زعزعة استقرار سورية..
بقلم: م.ك.باهدراكومار -Reseau international
ترجمة: محمود لحام
التاريخ: الأحد 25-8-2019
الرقم: 17055