لعل أبرز التحديات التي كانت ولا تزال تواجهنا -كمواطنين- هي قدرتنا على تحديد خياراتنا الصحيحة, وبقينا – مع الأسف- عاجزين حتى حيال تلك القضايا البسيطة التي تواجهنا في يومياتنا على المستويين الشخصي والعام..
فقد اعتدنا – مثلا- أن نؤجل انجاز الحلول لمشكلاتنا العادية البسيطة بحجة انشغالاتنا بالمشكلات الكبيرة وندعي انصرافنا لمواجهتها, لنجد أنفسنا بعد مضي الوقت أننا لم نستطع تفكيكها وحلها, في حين أن المشكلات الصغيرة التي أهملناها لأننا رأيناها صغيرة قد تراكمت هي الأخرى وأصبحت مشكلات كبيرة, وهكذا نكون قد استجلبنا لأنفسنا كتلة إضافية من المشكلات من حيث ندري أو لا ندري!
ترى هل مشكلتنا الأكبر تكمن في طريقة تفكيرنا؟
أم هي طبع حياة اعتدناها؟
أو أننا نعيش حالة ما تتصل في بنية شخصيتنا وتركيبتها الفكرية والنفسية والروحية؟؟
ولعل السؤال الأهم الآن:
أليس بإمكاننا حقا أن نحدد خياراتنا وأولوياتنا الشخصية والعامة كأفراد وهيئات ومنظمات كخطوة لابد منها إذا كانت غايتنا الأسمى بالفعل أن نحقق شخصيتنا وأن نحقق مجتمعنا وأن نبني وننجز!!
وإلى متى سيستمر هذا العجز وهذا التحدي الكبير جاثما أمامنا بينما نقف أمام أنفسنا وكأننا مجرد مشاهد لايعنيه مشهدنا على ما ينطوي عليه!
و عود على بدء.. فإن أبرز التحديات التي ستبقى جاثمة في طريقنا تبدأ ولاتنتهي في مقدرتنا هذه على ضبط خياراتنا الفردية والعامة والوطنية ومدى مقدرتنا على انجاز أولوياتنا على نحو متصل ووثيق بهذه القدرة والمقدرة!!
لقد وقع من وقع بقصد وبغير قصد في مؤامرة كونية فكان أداة الحرب على وطنه تحت شعارات مزيفة, فاختار بمحض إرادته سبيل السقوط, لكن سورية لم تسقط!
ترى هل يعد السقوط خياراً صائباً!!
وهل كان السقوط في عرف أي مجتمع إنساني عبر التاريخ, خياراً صحيحاً!!
والحقيقة الكبرى التي لابد من الإشارة إليها, لا بل والتوقف طويلا عندها..أن السقوط يختاره الساقطون, وهؤلاء وحدهم من يذهب, وتبقى الأوطان.
إن المقدرة على تحديد خياراتنا (من ألفها إلى يائها) تتصل على نحو عميق بإمكانياتنا الشخصية التي تتمركز في حواضننا الفكرية – وهنا بيت القصيد – إذ أن الأهم هو محتوى هذه الحاضنة وثقافتها ومدى معارفها التي لابد وأن تقودها بعيدا عن المصالح الفردية الضيقة, وتمكنها من رؤية (الغير) والوطن بعين وبصيرة واعية..
هذا الوعي هو الإشارة المكثفة لصورة ثقافتنا ومعارفنا, وهو المعول عليه أن ينتج مساراتنا وفعلنا الإيجابي البناء على المستوى الفردي والعام, ذلك أن طبيعة هذا الوعي, هي طبيعة منتجة بناءة, وهي التي يعول عليها مواجهة المشكلات صغيرها وكبيرها.
وعي منتج يرى الذات والمجتمع والوطن بذات العين وبذات الميزان, فيقف موقف المتصدي عن جدارة لكل المشكلات والاستحقاقات الوطنية كما لو أنها مشكلات شخصية تستهدف أمنه الشخصي وتتهدد وجوده الكلي كذات خاصة أو عامة!
ترى هل يصعب علينا كثيرا إنتاج مثل هذا الوعي؟!
هذه الحقيقة هي التي يهرب منها قليلنا أو كثيرنا في محاولة منهم للتواري بعيدا عن أسئلة الهوية أولا وقبل أي سؤال آخر..
الآن, وبعد هذه السنوات العجاف التي مرت أصبحنا أمام استحقاقات هذه الأسئلة, ومواجهتها بصدق وأمانة, لاسيما وأننا أصبحنا ندرك أن الأجوبة المبهمة والعامة لم يعد لها أي معنى يفيد بقضايا الوجود والهوية..
لقد بات الوطن (كما كان) هو ذاتنا حقا بكل الأبعاد والمعاني.
وإن إدراكنا هذه الحقيقة هي رافعة التعبير عن آمال أبنائه وتطلعاتهم المشروعة في الوجود والحياة..
لقد كتب الشهداء قصة هذا الوعي بحروف من دماء, وآن لنا أن ندرك ونتلمس ونلامس حقيقة سفن الأوطان التي ترسو دائما على الشطآن بأمن وسلام.
عبد المعين زيتون
التاريخ: الاثنين 26-8-2019
الرقم: 17056