في مقالة نشرت في الفورين بوليسي Foreign Policy تحت عنوان (لماذا فشل ترامب في مفاوضاته) يذكرنا الكاتب ميشيل هيرش أنه لطالما لم يفقه ترامب شيئاً في المفاوضات:
فكاتب السيرة الذاتية ميشيل أنطونيو والذي كان قد حاور ترامب مرات عديدة يرى أنه لا يوجد فارق واضح بين الطريقة التي يتفاوض بها اليوم كرئيس عن طريقة تفاوضه حين كان رجل أعمال تجاري.
يقول أنطونيو (ينطوي أسلوبه على موقف عدائي وطريقة ترهيب ترمي إلى انتزاع كل التنازلات الممكنة من الطرف الآخر، مع زيادة مكاسبه… وهو لا يهتم باتفاقيات الربح إنما ينصب اهتمامه على نتيجة (انا من يفوز). حين سألته إن كان يتنازل عن بعض الأمور كدليل على حسن النية ليكون هناك مجالاً للتحاور مع نفس المحاور في المستقبل أجاب: كلا، وإن العالم مليء بالأشخاص الذين يمكن التعامل معهم الواحد بعد الآخر).
وكما رأينا بوضوح لا يمكن لنهج ترامب الفج أن ينجح مع باقي الحكومات لأنه يعتبر كل الأمور لعبة محصلتها معدومة حيث يتطلب النصر استسلام الطرف الآخر. النتيجة أنه لن نصادف أي حكومة تقدم لترامب أي شيء وأنه بدل ذلك سيردون عليه بعنف بكل الوسائل المتاحة وهو لا يمكنه أن يقبل بتسويات ذات نفع متبادل لأنه يرفض ربح الطرف الآخر.
ووصف ترامب الحكومات الأميركية السابقة التي قبلت في الماضي ببعض التسويات خلال مفاوضات أجرتها بالماضي أنها (شريرة) لأنها لم تتوصل إلى اتفاقية استسلام من الطرف الآخر.
ويبدو أن اتفاقية فيينا حول الأسلحة النووية الموقعة مع إيران تستحوذ كل تفكيره، لأن التسوية المرتبطة بهذه الاتفاقية مع إيران ستستعيد الوصول إلى الأموال المجمدة، فتشابه (تقديم) المال بشكل غبي. فواقع أن هذه المعاهدة تفيد الولايات المتحدة والدول المشاركة في المعاهدة أمر لا يهم ترامب.
استفادت إيران من المعاهدة بإعادة توزيع بعض الأمور لكن وإن كانت مكاسب صغيرة إلا أن الأمر أزعج ترامب.
وكان هذا الأمر هو أحد أسباب إقامته علاقات وثيقة مع الصقور الإيرانيين في واشنطن خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ومن هنا نفهم أيضاً لماذا دعم ترامب حاجاتهم السخيفة وغير المنطقية، وكذلك مارس (ضغوطاً قصوى) في العقوبات القصوى على إيران. فقد فعل كما يعمل باستمرار وهو جاهل تماماً لتعقيدات العلاقات الدولية والدبلوماسية إلى حد اعتقد ان سياسته هذه ستحقق له مبتغاه. الحقيقة، أن جميع مبادراته بما يتعلق بالسياسة الخارجية على وشك الفشل أو أنها فعلاً فشلت وانتهى أمرها، والتكلفة على مواطني الدول المستهدفة العاديين تتزايد.
يقول أنطونيو: الرئيس ترامب ليس مستعداً للسياسة ولا للتفاوض مع الدول ذات السيادة، فهو لا يعرف قبول التسويات التي من شأنها أن تقود إلى نتائج إيجابية أحادية وثنائية الجانب أو متعدد الجوانب، وهو يأخذ الأمور مأخذاً شخصياً ويعتبر الأشخاص الذين يملكون وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظره أعداء له.
أكبر خدعة اتبعها ترامب أنه أوهم مواطنيه أنه يجيد التفاوض، واليوم تدفع الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم ثمن سياسته الرعناء.
وهكذا غالباً ما توصف سياسة ترامب أنها (انفصال) عن السياسات الأميركية السابقة، فهو يتبع سياسة مزاجية، ويعكس في سياسته دفاعاً عن الغرب، فهل نرى في إدارته استراتيجية متماسكة في حين اختصر أسلوبه على التهديد والوعيد لأعدائه، وغالبا ما أبدى كراهية للأجانب وعنصرية فاضحة وأشار ببنانه إلى الدول الأخرى مثل كوريا الشمالية على أنها تشكل تهديدا للعالم المتحضر.
فوجود ترامب رئيساً لأميركا يثير مخاوف كثيرة مثل ظهور شبح سياسة التمييز الطائفي. لا يمكننا أن نتفاجأ من دعمه المستمر لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وما تعيينه لبومبيو وبولتون إلا لتحقيق سياسة خارجية أكثر عدوانية وخاصة إزاء إيران وأيضا روسيا حيث دعمت ترسانتها النووية في دول شرق أوروبا.
بقلم: دانييل لاريسون
موندياليزاسيون
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: السبت31-8-2019
رقم العدد : 17061