سبـــــاق التسلـــــح… سبـــــاق للقتـــــل

ربما كان الوضع الجيوسياسي غير المستقر في العالم أكثر من أي وقت مضى من العوامل التي تعزز مناخ التوتر المتزايد إضافة إلى انعدام الأمن وعدم الاستقرار في بلاد كثيرة… المزاج المتهور وحب التسلط لدى دونالد ترامب وغيره من القادة الغربيين، إضافة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي …. الحروب والاضطرابات الأفريقية الأبدية المصطنعة …. أزمة المهاجرين …. اضطرابات الشرق الأوسط – انقسامات أميركا اللاتينية … كل ذلك عوامل مجتمعة تقود إلى إحياء سباق التسلح العالمي من جديد رغم كل معاهدات الحد من التسلح الدولي.
وهكذا وعلى الرغم من انتهاء الحرب الباردة في نهاية القرن الماضي، ورغم التضخم العالمي، لم ينخفض الإنفاق العسكري العالمي أبداً إلى أقل من 60% من ذروته التي كانت في عام 1987، إذ لم تسفر نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي عن انخفاض حاد في الإنفاق العسكري العالمي: ففي منتصف الثمانينات كانت ميزانية الدفاع الأميركية في فترة رئاسة رونالد ريجان في أعلى مستوى لها منذ عام 1946، في حين كانت روسيا أو السوفييتي السابق غارقة في حرب أفغانستان . .
في عام 1985، بلغ الإنفاق العسكري العالمي 1210,5 مليارات دولار، وفقاً لبيانات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن. وفي عام 1998، وصل إلى 803,7 مليار دولار، أي أقل بمقدار الثلث فقط. هذا، حتى قبل الآمال التي ولدت في عام 1989 ، مع سقوط جدار برلين ،لكنه عاد للازدياد، بعد عشر سنوات، بسبب حرب (الناتو) ضد صربيا أو حرب البلقان، وكذلك الحرب الروسية الجديدة في الشيشان وأول ارتفاع طويل الأجل في ميزانية الدفاع الأميركية في فترة ما بعد الحرب الباردة. .
في العام 2015، أنفق العالم وحده ما يقارب 1,7 تريليون دولار لم تكن على الصحة أو مساعدة المنكوبين أو حتى إعمار العالم، وإنما كانت تلك المليارات هي معدل الإنفاق العالمي على الأسلحة، وهو الرقم الذي يعتبره البعض من أهم المعايير في تقييم قوة الجيوش في العالم، فيما يمكن اعتباره من ناحية غيرعسكرية بأنه أحد أهم المؤشرات التي تنبئ بحجم الدمار الذي أصاب ويهدد العالم بسبب الحروب، حيث إن الأسلحة لم تعرف لها مهمة منذ اختراعها سوى قتل البشرية ودمار الحضارات، ذلك الدمار الذي لا يُرى إلّا في دول العالم الثالث فقيرة كانت أو غنية، فمن خلال التدقيق في ذلك الرقم نجد أن النصيب الأكبر منه يذهب إلى عدة دول ترعى الصراعات الدائرة في العالم اليوم وتسعى إلى تأجيجها وإطالة أمدها.
تعد الولايات المتحدة الأولى، أكبر مصدري الأسلحة في العالم فقد بلغت نسبة صادراتها 33% في الفترة ما بين 2011 – 2015 وبذلك تسيطر على أسواق السلاح في 94 دولة، بينما حلت فرنسا وبريطانيا و روسيا في المرتبة الثانية بنسبة صادرات بلغت 25% من مبيعات العالم لنفس الفترة إلى حوالي 56 دولة، ثم الصين التي تمكنت أخيراً من احتلال المرتبة الثالثة بعد أن استطاعت أن تزيد من صادراتها خلال الخمس سنوات الماضية بنسبة 143% لتتخطى ألمانيا وايطاليا وإسرائيل وتستحوذ على حصة تقارب 5.9% من المبيعات العالمية.
أما أكثر دول العالم استيرادًا للسلاح وهي الدول التي ساهمت لأسباب عدة في رواج تجارة السلاح وانتعاشها فهي الهند التي تستورد 14% من أسلحة العالم، وتلتها السعودية بنسبة 7%، حيث ازداد معدل استيرادها للسلاح في الفترتين 2006-2010 ، 2011-2015 حوالي 275% وهي نفس الفترة التي ازداد خلالها معدل الاستيراد في الشرق الأوسط إلى 61% ، وللتذكير فإن الرياض أبرمت في عام 2017 صفقة سلاح مع واشنطن بقيمة 350 مليار دولار… وكان من بين تلك الدول أيضاً الإمارات وباكستان وتركيا والجزائر(كل تلك المعطيات توضح لماذا يكون الفشل دائماً حليف مبادرات السلام المطروحة لفض النزاعات والصراعات في العالم وبالتحديد في الشرق الأوسط)، وبالنظر إلى هذه الدول في العالم لا يمكن اعتبار غالبيتها في حالة صراع أو حروب مباشرة على أرض الواقع في حال استثناء التوترات السياسية والنزاعات الجغرافية التي تطفو على السطح من آن لآخر دون قتال، وبالتالي لا تُعد الدول التي تعاني من الإرهاب أو الحروب الأهلية والطائفية هي فقط التي تساهم في زيادة حجم تجارة الأسلحة في العالم ورواجها، هذا بالإضافة إلى الحروب الباردة بين الدول العظمى لقيادة العالم وتوسيع النفوذ بما يؤدي بهم إلى إمداد حلفائهم من الدول الأصغر المتحاربة بالأسلحة هي أحد أسباب تلك السباقات والعوامل التي تعزز من بقائها،
تحتل الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى عالمياً من حيث الإنفاق العسكري بميزانية بلغت 612.5 مليار دولار عام 2013 وهي الميزانية التي تتجاوز بها الولايات المتحدة ميزانية الإنفاق العسكري لـ 8 دول كبرى مجتمعة وهي الصين، روسيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، اليابان، والهند، والسعودية والتي بلغ إنفاقها العسكري مجتمعة في 2013 حوالي 600 مليار دولار. ويختلف السباق الأميركي الصيني عن سباقات التسلح الأخرى، حيث إن الصين التي حققت ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال فترات قياسية تسعى من خلال ذلك السباق المحموم إلى مزاحمة أميركا على مكانتها في قيادة العالم، بالإضافة إلى حرصها الدائم على امتلاك كل سلاح من شأنه أن يكون الرادع للقوة الأمبركية في حال توجهت إليها.
أما الولايات المتحدة والتي تؤرقها القوة المتزايدة للصين والتي قد تُخولها لأن تكون العنصر الحاكم لقواعد اللعبة الإستراتيجية في آسيا، تسعى إلى الاحتفاظ بالقوة العسكرية الأكبر في العالم والبقاء رغم كل التحديات والمتغيرات القطب الأوحد للقوة والقيادة ودحض أي محاولات لتحالف روسي – صيني قد تمهد الطريق للوصول إلى غاياتهم في النهاية.
لذلك كان السباق جلياً للعالم منذ سنوات عديدة، ففي عام 2008 بدا واضحاً انتقال الولايات المتحدة من مرحلة الاعتماد على الأسلحة الثقيلة التقليدية إلى مرحلة تطوير الأسلحة الذكية العالية الدقة واستغلال التكنولوجيا وتقويضها عسكرياً، وبالتالي سعت الصين أيضاً منذ 2010 إلى إحداث طفرة عسكرية، حيث بدأت بالاستعراض العسكري من آن لآخر وتحديث طائراتها التي كانت غالبيتها تعود إلى الحقبة السوفييتية، وركزت جهودها على إنتاج وتصنيع الأسلحة والطائرات المشابهة لنظيرتها الأميركية أو تتجاوزها أحياناً، وكان أشهرها طائرة (J31) التي صنعتها على غرار (F35) الأميركية، التي تعد أقوى مقاتلة في العالم.
بالمقابل، من المهم أن نعرف أن عدد اللاجئين الذين فروا من الحروب والنزاعات في العالم بلغ 65,3 مليون شخص في عام 2015 بحسب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة غالبيتهم دون مأوى أو طعام، كما بلغت نسبة الذين يعانون من نقص التغذية والجياع في العالم لنفس العام 795 مليون شخص، في حين صرحت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن ما يحتاجه العالم للقضاء على الجوع والفقر في أنحاء الأرض كافة هو أربعة تريليون دولار، أي ما يعادل أقل من ثلاث سنوات فقط من معدل الإنفاق الدولي على التسلح.

بقلم ماري كلود ايد
Le Monde Diplomatique

ترجمة : محمود لحّام
التاريخ: السبت31-8-2019
رقم العدد : 17061

 

آخر الأخبار
"في مجبينة... الأرض تعود خضراء بجهود نساء حلب" حلب تتسلم إدارة الوحدات المحلية في الباب وجرابلس "رويترز": القوات الأميركية انسحبت من قاعدتين أخريين في شمال شرق سوريا هموم بحاجة لحلول في اجتماع الأسرة الزراعية بدمشق وزير الخارجية يبحث مع نظيره الألماني هاتفياً تعزيز العلاقات الثنائية بحث لقياس قوة العمل والبطالة في درعا السفارة الأميركية: دعم واشنطن لعودة السوريين من مخيم الهول خطوة نحو إنهاء أزمة النزوح "القاضي"..مستشار أول لشؤون السياسات الاقتصادية واقع الصحة النفسية والدعم الاجتماعي في شمال سوريا مفوضية اللاجئين تتوقع عودة 1,5 مليون سوري بحلول نهاية 2025 إنتاج حليب النوق تجربة فريدة.. هل تنجح في سوريا؟ خطة طوارىء من حليب النوق إلى جبن الموزاريلا... دراسات تطبيقية تربط العلم بالإنتاج ضمن إعادة هيكلة المؤسسات..  رؤساء دوائر "بصحة " حمص ومزاجية في ترشيح الأسماء الفائضة.. إعادة توزيعهم... الدرويش لـ"الثورة" : عدم توفر البيانات يعيق التخطيط للتحول الطاقي  بمشاركة 182 طالباً وطالبة انطلاق الأولمبياد الجامعي الأول في البيولوجيا   لبنان: الموافقة على خطة عودة النازحين السوريين مدير تربية القنيطرة : تحقيق العدالة والشفافية في المراكز الامتحانية 120468 متقدماً للامتحانات في ريف دمشق موزعين على 605 مراكز سوريا و"حظر الكيميائية" تبحثان سبل التعاون بما يخدم الالتزامات المشتركة