أكثر ما يلفت النظر في الصراع الدائر حالياً في اليمن وخاصة بعد ما يسمى «عاصفة الحزم» التي شنها النظام السعودي في آذار عام 2015 ضمن تحالف عربي سعودي إماراتي ـ مدعوم غربياً تحت عنوان ما يسمى «استعادة الشرعية» ومواجهة ما يسمى النفوذ الإيراني المزعوم، هو كثرة الأطراف المتصارعة داخل اليمن، وسرعة تبدل خريطة الصراع من فترة إلى أخرى، وتنوع الأجندات وتضاربها، لكن هذا الصراع الدموي المدمّر اتخذ بعداً جديداً منذ الثاني عشر من آب الماضي بعد ما يسمى الانقلاب الذي رعته الإمارات العربية المتحدة بواسطة ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي ضد ما يسمى زوراً «الحكومة الشرعية» التي يدعمها النظام السعودي والتي يرأسها عبد ربه منصور هادي، الأمر الذي نقل خريطة الصراع مجدداً على مكان آخر مع سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على مناطق الجنوب والشرق فيما تتركز سيطرة أنصار الله على العاصمة عدن وميناء الحديدة وبعض مناطق الشمال والغرب، في حين يتواجد تنظيم القاعدة في محافظات في الوسط والجنوب، الأمر الذي وجه ضربة قاصمة لأحلام النظام السعودي في السيطرة على عموم اليمن وإخضاعه لمشيئته.
الأطراف المتصارعة
بعد أن كان الصراع منذ العام 2015 بين الجيش اليمني التي تؤازره اللجان الشعبية في حركة أنصار الله ــ الحوثيين ــ وبين المرتزقة الذين شكلتهم السعودية والإمارات من مليشيات حركة الإصلاح الأخوانية ومزيج من قوات منشقة عن الجيش وتنظيمات إرهابية متطرفة وبعض المرتزقة الذين تم تجنيدهم من السودان ودول أخرى تحت قيادة الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، في تقاسم لمناطق النفوذ تتبدل من حين لآخر، نجد أن الصراع انتقل مؤخراً إلى داخل التحالف السعودي، حيث أعلنت الإمارات العربية المتحدة انسحابها من التحالف في تموز الماضي بعد تسرب أخبار عن خلافات بين الطرفين، لكن الإمارات أبقت على قوات لها في بعض المناطق الجنوبية.
خريطة الصراع
لكن خريطة السيطرة والنفوذ في اليمن شهدت تحوّلاً نوعياً خلال شهر آب الماضي، بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على العاصمة الثانية عدن مقر حكومة هادي، ما تسبّب في خلط الأوراق العسكرية بشكل كبير في اليمن عموماً وفي المحافظات الجنوبية بشكل خاص.
ورغم أن السيطرة والنفوذ كانت تنقسم بين طرفي النزاع، أي بين ما يسمى الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً من جهة والمدعومة من التحالف السعودي الإماراتي، وبين الحوثيين «أنصار الله» من جهة أخرى، إلا أن سيطرة قوات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على عدن وإسقاط حكومة هادي طرح المزيد من الأسئلة عن خريطة السيطرة على كامل التراب اليمني.
ولإيضاح الصورة، نبرز هنا مناطق سيطرة مختلف القوى والفصائل العسكرية في اليمن، بما فيها حكومة هادي وحركة أنصار الله شمالاً وجنوباً:
ــ تسيطر حكومة هادي سيطرة كاملة على محافظة مأرب، سوى أجزاء من مديريتي «صَرْواح» و»حريب القراميش» غرب المحافظة، التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين.
ــ تتقاسم حكومة هادي مع ما تسمى بقوات النخبة الشبوانية الموالية للإمارات النفوذ في محافظة شبوة، كما تسيطر الحكومة على عدد كبير من المديريات شرق ووسط وجنوب محافظة الجوف، وأيضاً مديريات من محافظة البيضاء المحاذية لمأرب.
ــ محافظة أبين التي توجد فيها قوات من الحزام الأمني المدعوم إماراتياً، هي الأخرى تحت سيطرة حكومة هادي.
ــ كما تتقاسم حكومة هادي السيطرة على محافظة لحج مع قوات الحزام الأمني، لكن الأوضاع تتجه بشكل كبير لسيطرة الأخيرة عليها.
ــ تسيطر حكومة هادي بالكامل على محافظة المَهرة التي تشهد وجوداً متزايداً للقوات السعودية وسط رفض الأهالي.
ــ تسيطر قوات هادي على معظم محافظة الضالع مع وجود كبير أيضاً لقوات الحزام الأمني الموالي للإمارات، كما تعدّ مسقط رأس رئيس ما يسمى بـ»المجلس الانتقالي الجنوبي» عيدروس الزبيدي، في حين لا تزال مديرية دمت وأجزاء في مديريات قعطبة وجُبَن والحشا، تحت سيطرة أنصار الله.
ــ تعدّ حضرموت من المحافظات التي توجد فيها قوات موالية للإمارات عبر ما يسمى بـ»قوات النخبة الحضرمية»، لكن القوات الموالية لهادي توجد بكثرة فيها، خصوصاً في مناطق وادي وصحراء حضرموت عبر قوات المنطقة العسكرية الأولى.
ــ في المقابل تقع معظم مناطق محافظة تعز تحت سيطرة قوات هادي وحكومته، باستثناء بعض المناطق مثل مديرية الحوبان، والمديريات المجاورة لها والتي يسيطر عليها أنصار الله.
ــ في حين تقع محافظة أرخبيل سقطرى تحت سيطرة حكومة هادي التي احتجت لدى مجلس الأمن الدولي على انتهاك الإمارات للسيادة اليمنية ونشر قواتها في الأرخبيل على نحو غير مبرر.
ــ بالنسبة لميناء الحديدة فمعظم مديرياته غرب اليمن، تقع تحت سيطرة أنصار الله، باستثناء بعض المديريات جنوب المدينة تسيطر عليها قوات «العمالقة» وهي قوات جنوبية موالية لهادي، وقوات «طارق نجل الرئيس اليمني السابق»، وهي لا تعترف بهادي رئيساً، لكنها موالية للإمارات.
ــ أما باقي مناطق اليمن فهي تحت سيطرة انصار الله، وأبرزها العاصمة صنعاء (أمانة العاصمة)، وصعدة التي توصف بأنها المعقل الرئيس لهم، بالإضافة إلى إب، وعمران وذمار وريمة والحديدة والمحويت وحَجَّة.
أسباب الصراع وانعكاساته:
لا شك أن أحد أهم أسباب الخلاف بين الحليفين السعودي والاماراتي وتدحرج الخلافات بينهما في اليمن إلى هذا المستوى يعود بالدرجة الأولى لاختلاف أجندة كل طرف عن الآخر وأطماعه ومصالحه، فالسعودية تريد السيطرة على اليمن وإخضاعه، ولعل المتابع الحصيف لكل تحركات القيادة السعودية الجديدة يدرك تماماً أنها كانت تخطط للعدوان ومنذ وقت مبكر وهذا ما كشفت عنه صحيفة الواشنطن بوست التي قالت في إحدى يومياتها: إن السعودية جهّزت خطة الحرب على اليمن من قبل عام من العدوان، وقد سبق ذلك محاولات سعودية للتدخل في القرار اليمني من خلال دعم بعض المشائخ والواجهات والأجنحة ودعم بعض الجماعات الإرهابية وتحت مسميات مختلفة وممارسة ضغوط معينة حتى في قضية التنقيب عن النفط واستخراج ونهب ثروات اليمن، ومن دلائل ذلك أنها كانت تدعم الحكومة بمبلغ معين وتدفع ضعفه للجماعات الإرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار وخاصة في المناطق المليئة بالثروات.
في المقابل تؤكد بعض المصادر أن الإمارات كانت عينها على ميناء عدن بوصفه أكبر المنافسين لميناء دبي نتيجة موقعه الاستراتيجي المهم على مقربة من مضيق باب المندب، يقول الصحفي والكاتب السياسي اليمني محمد الأحمدي إن «مشروع تقسيم اليمن بالنسبة للإمارات هو مفتاح للسيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي والقريب من مضيق باب المندب، وما يشكله من منافسة لموانئ دبي في حال تم تشغيله بشكل جيد، وأيضاً مفتاح للسيطرة على جزر يمنية مهمة مثل سقطرى وميون، ومفتاح السيطرة على الموانئ والسواحل المطلة على خطوط إمدادات الطاقة في البحر الأحمر».
غير أن واحداً من أهم أسباب الخلاف بين الحليفين أيضاً هو فشل التحالف السعودي في اليمن وتلمس الإمارات طريق النجاة والخروج منه بأقل الأضرار الممكنة بعد أن أصبح هذا البلد مستنقعاً كبيراً لكل المتصارعين فيه.
يؤكد قائد الحرس الإماراتي مايك هندر مارش وهو جنرال أسترالي متقاعد، أن الخروج الإماراتي من اليمن هو نتيجة نمو قدرات الردع اليمنية وإمكانية تهديدها المرافق الحيوية الإماراتية، ما يدلّ على أن استمرار العدوان على اليمن يهدّد الإمارات بمخاطر الأفول تحت وطأة ما يسميه الجنرال «فيتكونغ اليمن» في إشارة إلى ثوار فيتنام الذين هزموا العدوان الأميركي.
غير أنه من المؤكد أن تنعكس خلافات الطرفين سلباً على الأوضاع في اليمن لجهة ازدياد الصراع بين المليشيات اليمنية التابعة لكل طرف، وما يشكله ذلك من تأثيرات سلبية ومدمرة على الشعب اليمني الذي عانى الأمرّين خلال السنوات الخمس الماضية، ولكن هذه الخلافات أيضاً يمكن أن تؤذن بسرعة انهيار هذا التحالف والدفع بالمجتمع الدولي أكثر للانخراط في حل الأزمة اليمنية ووقف سفك الدماء، لكن أسوأ الانعكاسات ستطول وحدة اليمن وسيادته واستقلاله.
عبد الحليم سعود
التاريخ: السبت 7-9-2019
الرقم: 17068