ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: لم تكن رسائل الشكر الأميركية التي حملها جون كيري لتركيا على ما فعلته وتفعله من دعم للإرهاب, ومن دور في منظومة العمل لخدمة المصالح الأميركية بحاجة إلى كثير من الوقت حتى تفصح عن مضمونها، وقد ترجمتها حكومة العدالة والتنمية عبر مرتزقتها في شوارع دمشق تفجيراً وإرهاباً ومزيداً من دماء الأطفال والأبرياء.
فحكومة أردوغان ردت التحية الأميركية بأحسن منها، كما اعتادت دائماً أن تكون مخلصة لأولياء نعمتها السياسية، وأرادت أن يكون هذه المرة أكثر وضوحاً من كل ما سبقه، وأن المهلة الأميركية الجديدة لأدواتها في المنطقة لم تكن عبثية أو في الفراغ، خصوصاً بعد المصالحة التركية الإسرائيلية.
لذلك كان بمقدور كيري أن يطمئن أن أولى محطات جولته الجديدة، تترجم وصاياه وبطاقات شكره بحذافيرها في سفك المزيد من الدم السوري، وأن جهوده لم تذهب أدراج الرياح بل أضافت إلى رصيد الارهاب الأميركي، وأن لديه قتلة ومجرمين تحت الطلب وحسب الحاجة، وأنهم لم يستنفدوا بعد كل ما لديهم، وأن مزيداً من التعطيل الأميركي للحل السياسي ستترجمه تلك الأدوات بمزيد من التصعيد الإرهابي وفي كل الاتجاهات.
وهذا على الأقل لن يحيج كيري لتغيير الكثير مما كان في حقائبه، ولا أن يعدّل جوهرياً من أدوار أدواته، التي تحتفظ في جعبتها بالمزيد من رغبة القتل والإجرام، ولا أن يستبدل قائمة المرتزقة أو أن يغير في مهامها وتكتيكها، فهي لم تقصر في قراءة الرسائل الأميركية السياسية وغير السياسية، ولم تتأخر في الاستجابة للتمنيات التي تتحول إلى أوامر عمل يومي وفي كثير من الأحيان ساعة بساعة.
من الواضح أن كيري في جولته الأولى قد لا يطابق كيري في جولته الحالية، لكنه لا يختلف في الأجندات، ولا في الرسائل والمهمات، فقد افتتح الأولى بتحريض وتشجيع غير مسبوق على الإرهاب، وفي الثانية يدشنها بالامتنان للقتلة والمجرمين على فتح حدودهم لكن ليس لاستقبال اللاجئين ، وإنما لتسلل الإرهابيين وإقامة معسكرات التدريب فوق اراضيهم وتسهيل تهريب السلاح.
فالفارق الجوهري أنه في هذه الجولة كانت النتائج مباشرة والترجمة فورية، حيث لن يضطر كيري لإضاعة الوقت في تدوير الزوايا، فقد تطابقت أمنياته مع أحلام مرتزقته، وتقاطعت أوامر العمليات الأميركية الإسرائيلية مع ما يعمل الإرهابيون والمرتزقة على تحقيقه.
عودة كيري السريعة إلى المنطقة لا تعني بالمطلق أن لديه حلولاً لما استعصى عليه في المرة الماضية، ولا تعكس أن ما عجز عنه مع رئيسه قد أبصر مخارج له في غيابه، بقدر ما تترجم رغبة أميركية في تسخين الأوضاع بشكل يؤخر من إعلان الإفلاس ويستهلك المزيد من الوقت ريثما تنضج الأوراق الأميركية تحضيراً لساعة الجلوس على الطاولة.
ما أخطأ فيه كيري هو الخطأ ذاته الذي ارتكبه من سبقه، ولم تشفع له زياراته السابقة إلى المنطقة في تحييد بعض الأخطاء، فقد يجد زعيم الدبلوماسية الأميركية المبررات والذرائع لخلط الأوراق وتداخل الملفات، وأن يستنجد بأدوات الإرهاب الرخيصة، ليغطي على استغاثة مرتزقته ومشغليهم ومموليهم، لكنه سيبقى عاجزاً عن تعويض ما فشل به غيره، ولن يشفع له رصيده السياسي، ولا النفخ في قربة الإرهاب والإرهابيين المفلسة.
دمشق المدماة اليوم بالإرهاب، هي ذاتها التي يسجل التاريخ أنها هزمت الارهاب بعتاته ورعاته وداعميه، في كل جولاته، وأنها كانت على الدوام القادرة على قلب الحسابات وتغيير المعادلات، وما يجري من إرهاب اليوم سواء كان ممهوراً ببطاقات الشكر الأميركي، أم بتوقيع مرتزقة وقتلة أدمنوا خدمة الإسرائيلي، لن يغير في قواعد التاريخ، ولن يبدل في قاموس الجغرافيا الذي يتقنه السوريون، وجيشهم الباسل يرسم إحداثياته في الميدان.
a.ka667@yahoo.com