«وخيــر جليــــسٍ…»

هو المعلّم الأوّل للبشريّة، الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لايُغْريك، والرفيق الذي لا يَمَلُّك، والمستميح الذي لايَسْتِريثُك، والجار الذي لا يَستبْطِيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق، ولا يعاملك بالمَكْر، ولا يَخْدعك بالنّفاق، ولا يحتال لك بالكذب..
وهو الذي إن نظرت فيه أطال إمْتاعك، وشحذ طِباعك، وبسط لسانك، وفخّم ألفاظك، وعمَّر صدرك، ومنحك تعظيم العوامِّ وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر، ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، مع السلامة من الغُرْم، ومن كدّ الطلب، ومن الوقوف بباب المُكتَسِب بالتعليم، ومن الجلوس بين يدي من أنت أفضل منه خُلُقا، وأكرم منه عِرْقا، ومع السلامة من مُجالسة البُغَضاء ومُقارنة الأغبياء.
هو الذي يُطيعك بالليل كطاعته بالنهار، ويُطيعك في السفر كطاعته في الحضر، ولا يَعتلّ بنوم، ولا يَعتريه كَلال السهر وهو المعلّم الذي إن افتقرت إليه لم يُخْفِرْك، وإن قطعت عنه المادّة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عُزِلْتَ لم يَدَعْ طاعتك، وإن هبّت ريح أَعاديك لم يَنقلب عليك، ومتى كنتَ منه متعلّقا بسبب أو معتصما بأدنى حبل، كان لك فيه غِنىً من غيره، ولم تَضْطَرَّك معه وَحْشةُ الوَحْدةِ إلى جليس السُّوء.
ولو لم يكن من فضله عليك، وإحسانه إليك، إلّا منعُه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارّة بك، مع ما في ذلك من التعرُّض للحقوق التي تلزم، ومن فضول النظر، ومن عادة الخَوْض فيما لا يعنيك، ومن ملابسة صِغار الناس، وحضور ألفاظهم الساقطة، ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم الرّديّة، وجهالاتهم المذْمومة، لكان في ذلك السلامةُ، ثم الغنيمةُ، وإحرازُ الأصل، مع استفادة الفرع.
فأين نحن من كلام عمرو بن بحر الجاحظ في ما تقدم، وهو من قضت عليه كتبه التي قضى زهرة عمره وحياته بينها، مؤلفا باحثا منقبا، أين منه، ونحن في هذا الزمن، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، الذي قل فيه كثيراً الإقبالُ على قراءة الكتب، فالجيل الحالي لا يقرأ إنما يصل إلى المعلومة التي يريدها بسرعة البرق من خلال الشبكة العنكبوتية..
ولكن الكتاب لازال يحتفظ بمكانته وبريقه في قلوب ونفوس عاشقيه، ففي الدول المتقدمة نجد في محطات الباصات والقطارات أشخاصاً لديهم كتب يقرؤونها فهم يحتفظون في الكتاب في حقائبهم أينما ذهبوا وفي لحظات الانتظار لا يضيعون وقتهم بالقيل والقال ولكن بالقراءة ولم تؤثر بهم وسائل التواصل الاجتماعي التي يبدو أنهم اخترعوها حتى تنشغل بها أمة اقرأ عن القراءة..
وبعد.. ونحن نشهد ما نشهد من تظاهرات دولية تعنى بالكتاب، وتعيده إلى واجهة الأذهان والمتناول والاهتمام والأولوية، فحري بنا تلقف المبادرات واكتناز الفرص للسعي لترسيخ ثقافة القراءة والكتاب، ولنتذكر الجهد الفكري والذهني والعصبي والجسدي الذي قدمه مؤلف هذا الكتاب، لنتعرف على خلاصة تعبه الذي صبه بين دفتيه، ولتكون رائحة الورق المنبعثة من أي مكتبة هي أطهر الروائح وأزكاها.. ولتكون المكتبات العامة والخاصة هي رياض عقولنا، ومتعة أوقاتنا.

ليندا ابراهيم
التاريخ: الجمعة 13-9-2019
الرقم: 17074

 

 

آخر الأخبار
كيف يواجه المواطن في حلب غلاء المعيشة؟ إزالة أنقاض في حي جوبر بدمشق ريف دمشق: تأهيل ٩ مراكز صحية.. وتزويد ثلاثة بالطاقة الشمسية جامعة دمشق تتقدم ٢٤٠ مرتبة في التصنيف العالمي إطلاق القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة ما هي أبرز قراراته المثيرة للجدل؟ شعبية ترامب تتراجع بعد مئة يوم على توليه منصبه  الأمم المتحدة تدعو لرفع العقوبات والاستثمار في سوريا الأوروبي" يواجه تحديات خارجية وداخلية.. فهل يتجاوزها ويصل إلى الحالة "التكاملية"؟ إعلام غربي يدعو للاستفادة من المتغيرات الدولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة The NewArab:  محادثات الشيباني وميلز ركزت على فرص تحسين العلاقات بين دمشق وإدارة ترامب مصر والسعودية تؤكدان ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا  حملة "شفاء".. عمليات جراحية نوعية في اللاذقية المصالح العقارية تضاهي "المركزي" بأهميتها..  خبير عقاري لـ"الثورة": الملكيات مُصانة ولا يمكن تهر... غلوبال تايمز: واشنطن بالغت في إبعاد الصين عن التجارة العالمية مظاهرات احتجاجية في تركيا وباكستان واندونيسيا..  عشرات الشهداء بمجازر جديدة للاحتلال في غزة الأمم المتحدة تدعو "الحوثيين" للإفراج الفوري عن جميع موظفيها المحتجزين تعسفياً  خارطة الخيارات الاستثمارية الحالية رهينة الملاذات الآمنة 70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس