لعله من الأهمية بمكان سعي الفيلم السينمائي أن يكون في أحد أوجهه أداة تنوير وتوعية وتحريض للفكر، ولكن كيف يبدو الحال إن كان هذا الفيلم موجهاً للأطفال؟.. سؤال عمد الفيلم الروائي القصير (حلم) للإجابة عليه بذكاء، وهو الفيلم الذي فاز نصه بمسابقة (السيناريو لفئة سينما الطفل) في المؤسسة العامة للسينما, سيناريو وإخراج أيهم عرسان.
يتوجه الفيلم للأطفال والعائلة ويحاكي في محوره الأساسي قصة طفل يمتلك حدساً مختلفاً عن أقرانه, الأمر الذي برز من المشاهد الأولى حين شعر (جاد) بقدوم صديقه (نديم) وخرج لاستقباله، ولدى وصول الصديق أثار هذا التصرف تعجبه, فكيف عرف بقدومه؟ ولا يلبث أن يأخذ هذا الحدس شكلاً آخر يوظفه المخرج للوصول إلى الغاية والمقولة, فالجدار الذي اعتاد جاد الجلوس أمامه والمؤلف من أحجار متراصة يخفي وراءه حكايات ورؤى افتراضية للمستقبل, يراها هو فقط, حتى أن صديقه عندما حاول النظر بدافع الفضول لم ير شيئاً, ما يُفسّر للمشاهد أن هذه الرؤيا هي من بنات أفكاره. وفي الجدار حجر صغير عندما يزيحه من مكانه يرى خلفه حكايات متخيلة وافتراضية قادمة من الزمن القادم, تدخل الكاميرا من الفتحة في الجدار (مكان الحجر) لتغوص في عالم خيالي هو الصوت الداخلي للطفل وأحلامه التي تنسج حكاية عن مستقبل, تارة يجد نفسه فيها رجلاً غنياً وهاماً وتارة أخرى هو مجرد (عامل تنظيف مدخنة) يحمل المجلات لأبنه, هذا الحلم دق في داخله ناقوس الخطر ودفعه لاتخاذ قرار يحمي فيه مستقبله الفعلي.
أظهر المخرج العلاقة التي ربطت الطفل بالجدار فهو لوحته ومرسمه وملجؤه, والحجر الذي كان يزيحه ليرى من ورائه أحلامه هو سره الصغير الذي لم يفصح عنه لأحد, حتى لأقرب أصدقائه، هو عالمه الخفي الذي حرّضه ليكمل دراسته ويكون انساناً ناجحاً في الحياة. الأمر الذي ظهر جلياً عبر الحوار الأخير بين الصديقين في نهاية الفيلم.
كان هناك حرص واهتمام واضح بالتفاصيل التي تشكل جسم الحكاية والحدث ضمن فيلم للأطفال, فعلى سبيل المثال اهتمام (جاد) بالمجلات واستعارتها من صديقه دلالة تحمل بعداً يتلاءم مع هدف الفيلم من الناحية التربوية والتثقيفية، كما أن (الزقاق) الذي كان فيه الجدار شكل الفضاء المكاني والمسرح الأساسي للحكاية وتميز بدفئه على مستوى تشكيل الكادر واللون, واستطاع المخرج توظيف موضوع الخيال ضمن إطار مضبوط ليحقق الوظيفة المرجوة منه بعيداً عن المبالغة والاستخفاف بعقل الطفل, فقد طُعّمت الفكرة الواقعية في الفيلم بجرعة من الخيال الذي يجنح نحو (الخيال العلمي) فيحرك العقل ويحرّض الفكر ليصل المتلقي الصغير إلى ناصية المقولة بكل ما حملت من دلالات، لم يرد المخرج أن تصل رسالة الفيلم بسهولة ويسر وإنما قام بتغليفها ضمن توليفة تتماشى مع ذكاء الطفل لتشحذ مخيلته وتحاكي عقله فيكتشف النتيجة التي تحمل العِبر.
جاء انتقاء الطفلين بعناية ودراسة, الأمر الذي بدا واضحاً من خلال أداء كل منهما, فقدما دوريهما بإتقان كبير بعيداً عن التكلف أو الاصطناع، هذا من جهة أما من جهة أخرى فكان كل منهما يشابه بالـ(كاريزما) شخصيته عندما أصبح شاباً وكأن هذا الطفل هو فعلاً ذلك الشاب بعد مرور السنوات، كما أن سوية الحوار بينهما كانت تتماشى مع السوية العمرية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على آلية التلقي والإقناع عند الجمهور، وعلى إيصال المقولة الرئيسية بكامل ألقها وتأثيرها.
فؤاد مسعد
التاريخ: الأحد 3-11-2019
الرقم: 17113