«كثيرة هي الثنائيات التي انشغل بها الفكر الإنساني عبر اختلاف عصوره، وكثيراً ما كانت الثنائيات وهذا الفكر يتجاذبان التأثير والتأثر على نحو تبدو معه العلاقة بينهما علاقة جدلية, أو أشبه بالجدلية، ولعل الحياة الإنسانية،لا يمكنها أن تُفسّر في معزل عن فكرة الأضداد والثنائيات، إذ الحياة في كثير من جوانبها قائمة على أضداد وثنائيات…» بهذه الكلمات استهل محاضرته الدكتور جودت إبراهيم في فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب، بعنوان «في الشعرية والسردية» وسنتناول بعض ما ورد فيها: وتناول في حديثه البحث في العلاقة بين الشعرية والسردية، قائلاً: يُعد بحثاً في العلاقة بين طرفي ثنائية من أبرز الثنائيات في الفكر النقدي في مختلف الآداب والعصور، إذ إن الشعر والنثر جنسان عامان تندرج فيهما كل أفنان القول، ولا نكاد نجد فناً قولياً يخرج عن أن يكون من قبيل الشعر، أو من قبيل النثر، أو ربما كان أخذ من كل واحد منهما بطرف، ولكن هذا القول لا يعدو أن يكون تبسيطاً لقضية ما برحت تستثير النقاد.
وأضاف: ربما كان أول ما واجه النقد الأدبي من مشكلات مشكلة التميز بين الشعر والنثر ومشكلة التميز هذه تقتضي في الآن نفسه وجود عناصر اختلاف وعناصر تشابه، أي إن الاختلاف ليس صرفاً، لأنه لو كان كذلك لكان التمييز من باب تحصيل الحاصل..
ولعلّ من البديهي أن الحديث في ثنائية الشعر والنثر يقع في قلب نظرية الأجناس الأدبية التي نتلمس بواكيرها فيما بقي من تراث اليونان مما له صلة بالأدب، وفيه نلحظ أن الشعر كان في فترة ما الجنس الوحيد الذي ينطوي تحت ما سمي فيما بعدُ (بالأدب)، حتى إذا جاء جورجياس (GORGIAS) أدخل النثر تحت جناح السنن البلاغي بوصفه خطاباً معرفياً وموضوعاً جمالياً، بعد أن كان هذا النثر وظيفياً خالصاً لا يزيد على أن يسجل الكلام الشفهي المألوف.
وبقيت الحال كذلك حتى جاءت الرومانسية فراحت تدعو إلى التخفيف من غُلَواءِ الفكرة الكلاسيكية عن نقاء الأجناس، من خلال مَزْجٍ بين هذه الأجناس في صعيد واحد. ويمكن القول إنّ ما جاءت به الرومانسية من ثورة على فكرة نقاء الأجناس الأدبية كان المِهادَ الذي صدرت منه مختلفُ الاتجاهات الأدبية فيما بعد.
ويبدو أن ثمة التباساً و تشاكلاً بين بعض المصطلحات التي برزت في النقد الغربي قبل أن تنتقل إلى الدراسات النقدية الحديثة عند العرب..
سلوى الديب
التاريخ: الاثنين 25-11-2019
الرقم: 17130