عقد في طهران الأسبوع المنصرم مؤتمر بعنوان التقريب بين المذاهب والتحديات التي تواجه العالم الإسلامي وهو النسخة الثالثة والثلاثون التي تشهدها إيران بحضور واسع من كافة الدول والجاليات الإسلامية المتواجدة في أنحاء العالم عبر نخبها الفكرية والثقافية والدينية وبمشاركة سورية فاعلة، وكان من الواضح أن ثمة شعورا عاما ووعيا متقدما عند جميع الحضور بطبيعة التحديات التي تواجه دول وشعوب العالم تتمثل بشكل أساسي بالسياسة الأميركية التي تسعي للتغلغل في عواصم القرار في تلك الدول وصولا للسيطرة عليها، ونهب ثرواتها وتفتيت مجتمعاتها، ومصادرة قرارها الوطني إضافة إلى محاولة اختراق المجتمعات الإسلامية عبر التنظيمات المتطرفة ومحاولة إظهار الإسلام على أنه دين يؤمن بالعنف والقتل ولا يؤمن بقبول الآخر، ويسعى لفرض مبادئه وشريعته بالقوة والإرهاب إلى جانب أن قوى الغرب الاستعماري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تعمل على منع الدول الإسلامية من الالتحاق بركب الحضارة الإنسانية وامتلاك ناصية العلم والمعرفة، بحيث تحتكر عناصر ومقومات التقانة ما يجعل الدول الإسلامية بحالة تبعية علمية واقتصادية للغرب الاستعماري تعيش على هوامش الحضارة مستهلكة لها لا شريكة في إنتاجها والسعي لاحتكار الطاقة النووية التي أصبحت إحدى أدوات وضرورات الحياة الحديثة بوصفها أداة سلمية تسهم في النهوض الاقتصادي والعلمي وترفع من مستويات التنمية وأساليب الحياة وفق قاموس العصر.
ولعل هذا ما يفسر الحرب الاقتصادية والعلمية التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي استطاعت أن تحقق الاستقلال السياسي والعلمي عن مركز التبعية والاستلاب الغربي وبنت قوة ذاتية عبر الاستثمار في الرأسمال البشري والمادي والاعتماد على الكتلة الحيوية وبنك العقول الوطنية والانتساب للعصر بأدواته إنتاجا لا استهلاكا.
وإلى جانب إبراز المؤتمر لهذا الجانب المتعلق بامتلاك أدوات العلم والمعرفة وبناء جيل الشباب بناء علميا ووطنيا ركز بشكل واسع أيضا على دور الكيان الصهيوني كأداة هيمنة وتوسع في المنطقة يقوم على خدمة المشاريع الاستعمارية إضافة إلى مشروعه الخاص المتعلق بالتوسع على حساب شعوب المنطقة وانتهاك بل ابتلاع حقوق الشعب العربي الفلسطيني عبر سياسة التهويد الممنهج للأرض والسكان والسطو على ثقافة وتاريخ الشعب الفلسطيني واستهداف كل شكل من أشكال المقاومة ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية والفلسطينيين أنفسهم عبر ما يسمى صفقة القرن التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي الصهيوني دونالد ترامب بمؤازرة من بعض الأنظمة العربية العميلة، والتي تدور في فلك السياسة الأميركية وتسعى للتطبيع مع العدو الصهيوني ضاربة عرض الحائط بمشاعر أبناء الأمة وحقوقها الوطنية والتاريخية ومصالحها القومية ومنتهكة لأبسط الحقوق الفلسطينية التي نصت وأكدت عليها كل القرارات الدولية وميثاق الأمم المتحدة ناهيك عن خيانتها لكل التضحيات التي قدمها ويقدمها أبناء فلسطين والأمة العربية طوال سبعة عقود ونيف من تاريخ الصراع العربي الصهيوني ما جعل تلك الأنظمة العميلة معزولة شعبيا ومدانة تاريخيا.
لقد شخص المؤتمرون تشخيصا دقيقا حال الشعوب الإسلامية وطبيعة التحديات التي تواجهها واقترح المؤتمرون خريطة طريق للخروج من هذه الحالة السلبية والمقلقة تركزت على أهمية وحدة وتضامن الدول الإسلامية ونبذ الخلافات بينها والتركيز على المساحات المشتركة بين شعوبها وليس مساحات الخلاف، واعتماد العلم والمعرفة وامتلاك أدوات التقانة والعلم والمعرفة ووضعها في خدمة جيل الشباب ليبني البناء العلمي الصحيح وتكريس وعي شبابي عام عن الإسلام وطبيعته الإنسانية وقيمه الأخلاقية ونبذه للعنف والتطرف والكراهية بوصفه رسالة إنسانية تأتي منظومة الأخلاق على رأس أولوياته ومضامين خطابه إضافة إلى اعتبار قضية فلسطين قضية مقدسة تعني كل الدول العربية والإسلامية والقوى الحرة في العالم فلا بد من استعادتها عبر القوة ونهج المقاومة ومغادرة نهج التسويات الذي ثبت أنه لن يكون إلا في صالح العدو الصهيوني ومشروعه التوسعي الاستيطاني الذي يستهدف المنطقة بالكامل ويتهدد وجودها وكياناتها الوطنية والقومية.
د خلف علي المفتاح
التاريخ: الاثنين 25-11-2019
الرقم: 17130