رأي… الثقافـــة الرقميــة.. هــل أضعفــت الإبـداع..؟

لم يعد ثمة من يشكك في قدرة الإنترنت على توفير ذلك الكم الهائل واللامحدود من المعلومات، من شتى بقاع الأرض، لكن وفي الوقت نفسه، فإن هذا الإبتكار المذهل (الكمبيوتر، والإنترنيت)- له فاتورة غالية جدا!.. ويدفع قيمة هذه الفاتورة الإنسان في عصرنا الراهن، والثقافة التي وصلت إليه كمخزون تراثي بآن معا..
وبمعنى ٱخر, فإننا نحن من يدفع اليوم ثمن هذه الأداة الرهيبة! ذلك أن الحرص على تتبع وتجميع المعلومات من شتى مصادرها العالمية من خلال الإنترنت, غالبا ما يؤدي إلى تشتيت قدرة الإنسان – المتتبع ذاته – على التركيز والتفكير والتأمل, بعكس مايحدث خلال القراءة المألوفة العادية, والحصول على المعلومات من الكتاب.
والإشكالية هنا التي تهدد سلامة الحصول على المعلومات من خلال الإنترنت, تتمثل في تقبل عقل القارئ العادي للمعلومات كما يقدمها الكمبيوتر, أيا كانت هذه المعلومات, مشتتة وجزئية, ومتناثرة, ولاتنتمي لمسار دقيق محكم.
ترى هل هذا التشتت يرافق العقل والتفكير دائما, أم إنه سمة تتزامن أثناء تلقي المعلومات من الإنترنت؟! وهل بإمكاننا أن نتنكر لغياب العمق والتفكير والمراجعة المتأنية والنقد وتناول المعلومة على علاتها والاكتفاء – في أغلب الأوقات – بالقشور التي تطفو أمامنا على الشاشة، لأن ذلك يتفق ويتواءم مع طبيعة الآلة (الكمبيوتر), التي تقع بين أيدينا؟!
ونعتقد – هنا – أن ثقافة الإنترنت والكمبيوتر, ثقافة من نوع آخر, إذا لم نقل ثقافة غير طبيعية!! فسمة هذه الثقافة الخطرة, تتمثل في سطوتها وتملكها للقارئ العادي، لأنها تملؤه إحساسا وشعورا بالفردية، وتسقط لديه قيمة المناهل الأخرى والأهم للثقافة والمعرفة, بما فيها الكتاب, والمؤسسات الثقافية والمنابر التقليدية, كما تسقط من ذهنه, الفروقات والتنوعات الثقافية الجزئية, التي تمنح الثقافات المحلية الوطنية والقومية، خصوصياتها المميزة، فثقافة (النت), ثقافة عولمية, كوكبية, عناصرها تتألف بجملتها من خليط لامحدود، يرى العالم ككتلة بشرية واحدة.
وإذا كان من الصحيح، أنها تتمتع – (ثقافة النت) – بإمكانات هائلة من الانتشار والوصول إلى كل أجزاء الأرض بفضل التكنولوجيات الإلكترونية الحديثة، وبالقدرة الفائقة على إعادة ترتيب عناصرها وتوزيعها بأشكال متعددة، ما يعطي الانطباع الخاطئ بالابتكار والإبداع والأصالة، إلا أنه من الصحيح أيضا، أن هذه القدرة نفسها قد تعتبر دليلا ٱخر على ضعف بنائها، لأنها تسمح بنقل الثقافات الوطنية والقومية إلى المجال العالمي الواسع, وتتيح لها فرصة التعرف والامتزاج بالثقافات المجهولة التي تتمتع بقدر كبير من الثراء والغنى, وكأنها تزيل الفجوات التقليدية البائنة بين مايعرف بالثقافة الشعبية (الدنيا), والثقافة العليا التي يرتبط مفهومها عادة، بالثقافات المعرفية العالية، وهي ثقافة الصف الأول وطبقة الصفوة, وأساليب عيشهم وأساليب تفكيرهم!
إن هذه السمات والخصائص لثقافة (النت), تدفع بنا للسؤال المهم التالي: هل يمكننا أن نرى في المستقبل القريب أن هذه الثقافة ستصنع حالة وسيطة تسهم في التفاعل والتقارب بين المجموعات البشرية المختلفة والمتنوعة والمتباينة ثقافيا على امتداد الأرض؟!! وهل يمكنها، أن تصنع هوية مشتركة لوحدة فكرية بشرية تتشارك في صناعتها كل الجماعات البشرية على السواء؟! أسئلة قد نملك أطياف إجابتها الآن.. لكن انتظار الأجوبة الحقيقية يتطلب بالتأكيد المزيد من البحث والتمهل باستلهام الحقائق الموضوعية التي لاتقبل الجدل.
عبد المعين محمد زيتون

التاريخ: الأحد 1 – 12-2019
رقم العدد : 17135

 

آخر الأخبار
الإمارات تستأنف رحلاتها الجوية إلى سوريا بعد زيارة الشرع لأبو ظبي الاحتلال يواصل مجازره في غزة.. ويصعد عدوانه على الضفة مصر والكويت تدينان الاعتداءات الإسرائيلية وتؤكدان أهمية الحفاظ على وحدة سوريا بعد أنباء عن تقليص القوات الأميركية في سوريا..البنتاغون ينفي إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023 صحة طرطوس تستعد لحملة تعزيز اللقاح الروتيني عند الأطفال الأونكتاد" تدعو لاستثناء اقتصادات الدول الضعيفة والصغيرة من التعرفات الأميركية الجديدة إصلاح المنظومة القانونية.. خطوة نحو الانفتاح الدولي واستعادة الدور الريادي لسوريا التربية تباشر تأهيل 9 مدارس بحماة مركز لخدمة المواطن في سلمية الاستثمار في المزايا المطلقة لثروات سوريا.. طريق إنقاذ لا بدّ أن يسير به الاقتصاد السوري أولويات الاقتصاد.. د. إبراهيم لـ"الثورة": التقدّم بنسق والمضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": إعادة تصحيح العلاقة مع "النقد الدولي" ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي في ختام الزيارة.. سلام: تفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا  محافظ اللاذقية يلتقي مواطنين ويستمع إلى شكاويهم المصادقة على عدة مشاريع في حمص الأمن العام بالصنمين يضبط سيارة مخالفة ويستلم أسلحة