تشعره.. الكولونيل في «مئة عام من العزلة» أو البطل في إحدى الروايات الشهيرة التي صدرت عن أشهر أدباء أميركا اللاتينية.. تشعرهُ الراوي الخفي للكثير من الحكايا التي أذهلتنا بسحرٍ واقعيتها. الحكايا التي تمكّن من إخضاع المستحيل الذي فيها إلى ممكن، وبلغةٍ منحتهُ الريادة في ترجمة ما شكَّل جسر تواصل بين الأمم والحضارات، التي نقل تراثها الفكري واللغوي إلى العربية..
إنه المبدع الذي رحل منذ أيام عن عالمنا، والذي بقيت ترجماته حيّة نخاطبها وتخاطبنا. «صالح علماني» المتواري خلف الترجمة، والغريبُ المتغرّب إلا عن لغته ووطنه.. المترجم الفلسطيني-السوري، وحامل راية الأدب اللاتيني الذي عاش عمره يروي عنه. يروي ما رواه الكاتب الكولومبي «ماركيز» الذي كان أول وأكثر من أدهشته عجائبيته وترجم له.
أدهشه بـ»مئة عام من العزلة» الرواية التي أضاءت طريقه باتجاه الترجمة، والتي شكّلت انطلاقته وحكايته:
ولد ونشأ في مدينة حمص، وفيها أمضى معظم سنوات طفولته. سافر عام 1970 لدراسة الطب في برشلونة. لكن ولأنه لم يجد نفسه في هذه المهنة، قرر التحول لدراسة الآداب الاسبانية. الآداب التي قضى أكثر من ربع قرنٍ في ترجمتها إلى لغته، وفي إخضاعها إلى عربيَّته. فعل ذلك بعد تأثره بها وعشقه لها.. العشق الذي ترجمه بإبداعِ أغنى الفكر والإنسانية.
هكذا قضى حياته التي كانت ممتلئة بعطاءٍ، قدّم صورة متفوقة للمترجم-الكاتب العصامي، وهكذا كان له الفضل في ترجمة ماأغنى المكتبة العربية بأمهات كتب الأدب اللاتيني والاسباني.
هكذا قضى حياته. مترجماً كانت مشكلته، في اللهجات الأميركية اللاتينية وليس في اللغة الإسبانية، ذلك أنه رأى بأن تلك اللهجات تختلف من بلد إلى آخر. لكن، دراسته الطب ومعرفتهُ بشعوب القارة وأحوال معيشتهم وحكاياتهم وخرافاتهم وآلامهم وموسيقاهم، واطلاعه على تاريخ أميركا اللاتينية بشكلٍ عام، لعب دوراً كبيراً في تمكينه من فهمِ كل الاختلافات».
منذ سنوات قليلة غادر دمشق إلى اسبانيا، وفيها رحل تاركاً أعماله العظيمة في ترجمتها.. تاركاً ما يتجاوز المئة من أعمالٍ، نذكر بعضها وهي التي تفوقت بمكانتها وشهرتها:
«»مئة عام من العزلة» والحب في زمن الكوليرا» و»قصة موت معلن» و»عشت لأروي» و»ذاكرة غانياتي الحزينات» وساعة الشؤم» و»الجنرال في متاهة» وجميعهم لـ»ماركيز» إضافة إلى ترجماته، لـ»ماريو فارغاس يوسا» و»إيزابيل الليندي» و»جوزيه ساراماغو» وغيرهم الكثير الكثير..
فعلاً «أن تكون مترجماً مهماً، أفضل من أن تكون كاتباً سيئاً».. هي مقولته، وفيها بقاؤه وحكمته..
هفاف ميهوب
التاريخ: الجمعة 6-12-2019
الرقم: 17140