الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد:
من الأصوات الشعرية التي تستوجب الوقوف عندها، وتستحق الدفاع عن كينونتها في زحمة الثغاء الذي سببته حرب غشوم، هو صوت ذلك الشاعر قحطان بيرقدار الذي ظل برغم كل الانهيارات التي شوهت الساحة الثقافية صامداً مدافعاً ليس عن حاله فقط بل عن مكانة الشعر العربي التي لا تقبل إلا بموقع الصدارة.
الشاعر قحطان بيرقدار في معظم كتاباته تتجلى العاطفة الناضجة والواعية وتمر بنقائها على ذهن الكاتب لتأخذ معها بعضاً مما علق بخياله ساعة كان يشرد في ملكوت ما يقرأ فيصبح النص قادراً على مواجهة الآخر إلى حد الحكمة أو انبثاق رؤية كقوله:
دع عنك هذا فالوضوح شفاء
والصمت وحش والغموض فناء
قل إن جرحي في اتساع والمدى
نصل وروحي في السديم دماء
وفيما تبقى من تجلياته الشعرية نجد معطيات التحدي للحداثة القادمة من مكان ما فيرفع كينونة قصيدته بمكون أصيل كقوله في ذات النص:
قل إن وجهي وحي قلب لم يذل
يحبو وتعصره يد حمراء
كن أنت أنت كما ولدت مسربلا
بصراخك الأزلي أين الماء
في مجموعة “سراج وغربتان وليل” آخر ما نشره الشاعر تبدو الشخصية الشعرية واضحة حيث تعمد النفس الشاعرة على عدم تشويه النص وزجه وراء تسميات يغلب عليها الغرابة والاستغراب فقوله:
وأنا تنازعت العوالم داخلي
أدبتها كي لا تعكر حكمتي
يقدم المسمى الحقيقي أو المكون الحقيقي للشعر أمام التهديدات الجائرة التي لا تحمل هوية، فالهوية الشعرية تتقدم ومعها وثيقة القدرة على دعم الجديد الذي يخص جذور الشعر المنتمية إلى أصلها والتي تتمكن من تجاوز الآخر بما يدعيه ويحمله، وهذا نراه أيضا بقوله:
نميل وكل ما فينا يميل
وننزل كم يطيب لنا النزول
مروراً ببقية أبيات النص التي تصل إلى قوله:
نرتل عطرها من غير دمع
فقد سئمت من الباكي الطلول.
النصوص التي تكشف بعفوية الانفعال العاطفي الصادق الذي ينبع من ضمير النص وضمير كاتبه يكشف أيضاً أن القصيدة الشعرية عند الشاعر تؤدي إلى نتائج صادقة تخالف النظريات التي تقول إن أجمل الشعر أكذبه لتؤكد أن هذه النظرية مدسوسة وإن أعذب الشعر أصدقه .
وهذا يكفي لنستدل على فطرية النص الشعري ومدى أهمية هذه الصفة في وصول هذا النص إلى الآخر الذي لا يطرب إلا لشعر فطري عفوي وإن أدعى غير ذلك.
التاريخ: الثلاثاء10-12-2019
رقم العدد : 977