استكمالا لفعاليات وزارة الثقافة بتأسيسها ، أقامت مديرية الثقافة في طرطوس ندوة فكرية تناولت حياة الشاعر حامد حسن إنسانا وشاعرا وما قام به من أعمال وأهم ما ألف من كتب تحت عنوان (حامد حسن.. الشاعر والإنسان ) وذلك بمناسبة مرور عشرين عاما على الرحيل.
بدأت الندوة بعرض مادة فلمية عن حياة الشاعر الملقب بسنديانة الشعر، الذي عشق الطبيعة الريفية واستحضرها دوما بوجدانه المسلكي كما هي صافية نقية مخضرة، كما تضمنت قراءة نقدية في شعره قدمها رئيس اتحاد كتاب طرطوس الأديب محيي الدين محمد و الشاعر محمود حبيب.
وبدأ محيي الدين محمد قراءته بلمحة عن حياة الشاعر حامد حسن حيث ولد عام 1918 في قرية الحرية(حبسو) بمنطقة الدريكيش وتلقى تعليمه في ( اللاييك) بطرطوس وفي كلية القديس يوسف وعمل في حقل التعليم قرابة (18) عاما ودرس اللغة العربية وآدابها في الدريكيش وأصبح مديرا للثانوية الأرثوذكسية في ( السودا _ طرطوس) وأصدر مجلة النهضة بالاشتراك مع الدكتور وجيه محيي الدين عام 1938 في طرطوس وعين في لجنة الشعر في المجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية في دمشق.
انتقل عام 1936 من وزارة التعليم إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي، فعمل في المراكز الثقافة وفي مديرية التأليف والنشر، كما ترأس فرع اتحاد الكتاب بطرطوس لسنوات عديدة.
ودخل محيي الدين محمد إلى زمن القصيدة الداخلي للشاعر حامد حسن ، وتحسس علاقة الشاعر بعائلته، وقريته، وعالمه الخاص، فوجده شاعرا ريفيا مغسولاً بالرؤى وناقلا نداءات البيوت والأشجار، والكهوف الحافية، وكل تفصيل في ريفه بل في قريته الوادعة والتي قال في وصفها:
قريتي في السفح، والسفح اخضرار واخضلال
تحتها الوادي… وخلف السفح تمتد…. التلال
يخصب الشعر بها…. يرتاح….. يخضل الخيال
ملؤها… ملء فم الدنيا……… صلاة.. وابتهال
همسها نجوى……. أمانيها…. أمانيها.. جمال
تفرد حامد حسن في كل لمحة وإشارة وخطوة ورأي في حياته الإبداعية، ولمعرفة رأيه في الشعر علينا أن نعرف رأيه في مجموعة عناصره اذ يقول:
كلمة، حية، مسؤولة، جملة مخملية، متناغمة ، هذا هو التعبير.
و تناغم تساوق وانسياب، هذه هي الموسيقا.
وصور ظلال، ألوان، حركة هذا هو التصوير.
واحساس رعشة، هزة استثارة، هيجان، هذا هو، التأثير.
تعبير موسيقي وتصوير وتأثير هذا هو الشعر في رأي حامدحسن و هو إطار فني يزاوج ويعاطف بين هذه العناصر كلها.
وتطرق محيي الدين إلى القيمة الشعرية بما يبدعه الشاعر داخل حروف اللغة المشحونة بالتكثيف، وشاعرنا شاعر الرؤى التي يرقى بها الفن الذي لا يموت.
بينما بدأ محمود حبيب قراءته النقدية بقوله: حامد حسن والكنوز المخبأة ، ممازحا بأن الإنسان يخبئ شيئا نفيسا و لا يريد لأحد أن يطلع عليه أو يخبئه خوفا عليه، دالا بذلك على التأليف الأخير للشاعر حامد حسن وهو المكزون السنجاري بأجزائه الأربعة والذي استغرقت فترة تأليفه قرابة 20 عاما اذ بدأ بكتابته عام 1972، عرض في الجزء الأول دراسة النظريات العامة في التصرف والفلسفة عند المكزون السنجاري ، وعند الفلاسفة والمتصوفين وعالج ذلك بطريقة المقارنة.
يقول حامد حسن: توقعنا في مقدمة ( ج1) تحرك الفكر الرجعي المشلول لإثبات وجوده محاولة للدفاع عن سحقه وسلبيته وعدم استجابته لمتطلبات الحياة الفكرية المعاصرة.
وشرح مفصلا حياة الأمير المكزون السنجاري وقدومه من سنجار ومحاربته العثمانيين ودحرهم، وتحرير الساحل السوري بكامله بعد ذلك اعتزل السياسة وتفرغ للصوفية والزهد والتأليف.
كما تطرق محمود حبيب إلى عصور الآدب بشكل سريع التي تضمنها كتاب المكزون السنجاري الذي ألفه الشاعر حامد حسن، من العصر الجاهلي الذي امتاز بالصدق والوضوح والحسية والواقع والحنين، إلى العصر الإسلامي والعصر الاموي والعصر العباسي إلى العصر الحديث.
واستعرض محمود حبيب صورة الوطن عند حامد حسن الذي عشق وطنه حد العبادة، واستوحى من ريفه صفاء الإنسانية وجرأة القول في الحق، وهدوء العاشق العابد فكان الحب دينه والوطن ديدنه فأبدع يقول:
وطني عشقتك ثائرا متمردا
وأنا ابن هذا الثائر المتمرد
سلست حبك خميرة وأدرتها
للمترف الريان والعطش الصدي
علمتني الحب الذي نادى به
عيسى وكان شعار آل محمد
لا شيء غير الحب مكتوب على
باب الكنيسة أو جدار المسجد
كما طرق محمود حبيب باب الرثاء عند حامد حسن، فوجده صادقا عفويا وجدانيا، و كانت زوجته أم سهيل هي الربيع الأجمل في شعر شاعرنا وفي حياته، وقد فجر رحيلها قبله إلى العالم الآخر قصيدة تمثل رحلة مبدع وتجربة ملهم ورؤية مفكر ومنها اقتطفت
سيان بعدك شامخات القصر عندي والتراب
ما نفع هذا القلب أن ماتت أمانيه العذاب
خمسون عاما أو يزيد من المصاحبة النبيلة
لم يدر حر الشمس عصفوران دارهما خميلة
زوج كان الله رب العطف لم يبدع سواها
تحنو على بيتي وأطفالي تزقهم صباها
من مؤلفاته ( ثورة العاطفة شعرا، الخنساء والمهوى السحيق مسرحية، وعبق، وأفراح الريف، والريف الثائر، وأضاميم الأصيل) .
سمر رقية
التاريخ: الخميس 12-12-2019
الرقم: 17144