أوصياء على الذائقة !!..

 

أطلق لنفسه العنان لمجرد أن لقب (مخرج) بات يسبق اسمه في أي مكان يوجد فيه ، تلبّس الوصف وصدّقه حد الثمالة وقرر الذهاب به حتى النهاية ، فبدأ يقدم ما في جعبته من آراء ونظريات تعكس آلية تفكير بعيدة كل البعد عن المضمون الحقيقي لكلمة (مخرج) وما ينبغي أن يتحلى صاحبها من صفات ، وصديقنا الذي يرى أنه فيديريكو فليني الشاشة ، ويعتبر أن منجزاته (على ضحالة بعضها) تنافس ما قدمه مارتن سكورسيزي وودي آلن ومصطفى العقاد مجتمعين . يصر أن يضع نفسه وصياً على رأي الآخرين وذائقتهم ، مطلقاً مفردات قاطعة جازمة مؤكداً أنه بما يقدم يرفع من سوية الجمهور ويرتقي بذائقته وينمّي حسه الجمالي .. غافلاً أن الكثير من هذا الجمهور الذي يتحدث عنه يمتلك من الوعي والذائقة والحس الجمالي والمعرفي الكثير ، وربما أغلبه يدرك محاكمة الأمور أعمق منه ويستقرئ ويحلل بآلية أهم وأكثر قرباً للناس ، حتى إن أعمال هذا المخرج قد لا تسلم من مبضع المتابعين عندما يشرحونها نقداً فطرياً صادقاً يعكس ثقافة الكثير منهم ، وبالتالي جل ما يمكن أن يقوم بتقديمه هو تجربة إبداعية محاولاً من خلالها تلمس رضا الجمهور عما يقدم من ذائقة ومضمون ورؤى بصرية وفكرية .
المفارقة أن صديقنا كان يتناهى إلى مسمعه كلام بعض المخرجين الكبار عندما يتحدثون عن الذائقة وكيفية الارتقاء بها وآلية التعاطي معها ، فتقمص الحالة وبما انه بات مخرجاً فمن حقه أن يحكي بالمنطوق نفسه ، ولكن هناك عبارات ومصطلحات لها مكانها الذي تُستخدم فيه ، وكل ما عدا ذلك يحق وصفه بأنه أشبه بعملية قيصرية لإخراج هذه المصطلحات من سياقها واستباحتها بقصد التعالي على الناس ، فتفقد معناها ومغزاها وتتحول إلى مجرد (بروبوغندا إعلانية) ، في حين أن الكثير من المبدعين الحقيقيين الذين أضافوا بعطاءاتهم للحراك الفني والإبداعي الكثير لا يطلقونها جزافاً ، وإنما يوظفونها في مكانها وبقصد الدلالة والإشارة .
مما لا شك فيه أن واحدة من أهداف الفن أن يكون أداة تنوير وتوعية وتحريض للفكر ، ولكن هناك بوناً شاسعاً في آلية الوصول إلى هذا الهدف بنبل بعيداً عن خلق مسافات بعد تفصل المبدع وعمله عن الجمهور كي لا يُلفظ خارجاً ، وذلك كله مرتبط بثقافة المخرج ومفاهيمه وأدواته وبموقفه من الحياة ، وبالمشروع الابداعي الذي يحمل .
ما تقدم الحديث عنه يمكن تلمسه في الدراما التلفزيونية وفي السينما والمسرح ، فمن الأهمية بمكان ألا يكون المبدع وصياً على ذائقة الناس وإنما داعم ومطور لها ، ويعتمد على حالة تفاعلية مع المتلقي ليكون عمله محرضاً وقريباً منه ، فإن لم نكن مع الناس ونصل إليهم بعمق سيبتعدون نحو خيارات أخرى هي حاضرة بقوة وبكل ما تحمل من مغريات .
fouaadd@gmail.com

فؤاد مسعد
التاريخ: الجمعة 13-12-2019
الرقم: 17145

 

 

آخر الأخبار
عبد الكافي كيال : صعوبات تعرقل إخماد حرائق جبل التركمان... واستنفار شامل دمشق تؤكد التزامها بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية.. حضور سوري لافت في لاهاي دمشق تنفي ما تداولته وسائل إعلام حول "تهديدات دبلوماسية" بحق لبنان من جديد .. محافظة دمشق تفعل لجان السكن البديل.. خطوات جديدة لتطبيق المرسوم 66 وتعويض أصحاب الحقوق رئيس مجلس مدينة كسب للثورة : البلدة  آمنة والمعبر لم يغلق إلا ساعة واحدة . إخماد حريقين في مشتى الحلو التهما  خمسة دونمات ونص من الأراضي الزراعية وزير الطوارئ :  نكسب الأرض تدريجياً في معركة إخماد الحرائق.. والغابات لم تُحسم بعد وفد من اتحاد الغرف التجارية وبورصات السلع التركي يلتقي الرئيس "الشرع" في دمشق الخضراء التي فتحت ذراعيها للسوريين.. إدلب خيار المهجرين الأول للعودة الآمنة باراك: لا تقدم في مفاوضات الحكومة السورية مع "قسد" و واشنطن تدعم دمجها سلمياً من  ألم النزوح إلى مسار التفوق العلمي..  عبد الرحمن عثمان خطّ اسمه في جامعات طب ألمانيا علما سوريا جيليك: نزع السلاح لا يقتصر على العراق.. يجب إنهاء وجود قسد  في سوريا رفع كفاءة الكوادر وتطوير الأداء الدعوي بالقنيطرة بين الصياغة والصرافة .. ازدواجية عمل محظورة وتلويح بالعقوبات نزهة الروح في ظلال الذاكرة.. السيران الدمشقي بنكهة الشاي على الحطب "تربية طرطوس": كامل الجاهزية لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية الغابات تحترق... والشعب يتّحد.. التفاف شعبي واسع لمواجهة حرائق الساحل وزير الطوارئ ومحافظ اللاذقية يستقبلان فرق مؤازرة من الحسكة والرقة ودير الزور سوريا تسعى لاستثمار اللحظة الراهنة وبناء شراكات استراتيجية تعكس تطلعات الشعب الاكتتاب على ١٢١ مقسماً جديداً في حسياء الصناعية