في سنتها الثانية كرمت الأيام التشكيلية السورية ثلاثة من مبدعينا التشكيليين وهم الدكتور عبد الله السيد والفنانان غسان جديد وغسان نعنع. ونتوقف اليوم مع اثنين منهم، بعد أن توقفنا هنا منذ أسابيع قليلة مع الفنان غسان جديد.
زاوج الدكتور عبد الله السيد منذ مطلع حياته المهنية بين البحث النظري الفني، وبين البحث التشكيلي الإبداعي، وربما ساهم في ذلك شكل دراسته الجامعية فقد نال بدايةً إجازة في الفلسفة والدراسات الاجتماعية عام 1965، قبل أن ينال إجازة الفنون الجميلة من جامعة دمشق عام 1971 التي أتبعها بدراسات عليا في النحت النصبي وعلم الجمال من باريس، وبينهم تجربة في الكتابة الفنية واكبت بحيوية التجارب التشكيلية في ستينيات القرن الماضي. ثم اتجهت كلياً نحو علم الجمال، وعلم الجمال الإسلامي بشكل خاص. ساهم عالم الجمال اليوناني الكسندر بابادوبولو، في تعميق اهتمامه بعلم الجمال الإسلامي، حيث تبنى مفاهيمه وأصبح عضواً في مركز أبحاث علم الجمال الإسلامي، وعلوم الفن التابع لجامعة السوربون الأولى حين كان يرأسه بابادوبولو عام 1976. ومنذ ذلك الوقت أنجز الكثير من الأبحاث عن الحروفية، والتطور الجمالي للتصوير في سورية والأعراق الجمالية في التصوير السوري والنحت الآرامي وتاريخ الصورة في بلاد الشام والتصوير السوري الحديث، وغيرها، كما رأس تحرير مجلة (الحياة التشكيلية) الفصلية المتخصصة التي تصدرها وزارة الثقافة في سورية لنحو تسعة أعوام. حيث نشر فيها أيضاً الكثير من أبحاثه ودراساته، بحكم طبيعة دراسته كنحات، وميوله الإبداعية، فقد اتجه للمنحوتات النصبية، وأكثر منحوتاته شهرة نصب صلاح الدين الأيوبي الذي أنجزه عام 1992 بمناسبة الاحتفال بمرور ثمانمئة سنة على معركة حطين، المنتصب أمام مدخل قلعة دمشق من حيث انطلق الجيش الذي خاض حطين وحرر القدس من الفرنجة، وهو النصب الذي أصبح أحد رموز دمشق الخالدة.
وفي وقت مبكر من طفولته اكتشف غسان نعنع موهبته في الرسم، وشغفه بالألوان، وبالضوء، خاصة، الذي ظل الأمر الأكثر وضوحاً في أعماله حتى اليوم، والذي أثار إعجاب أساتذته ومشاهدي لوحاته، سواء قبل انتسابه إلى مركز الفنون التشكيلية في مدينته حمص، أم خلال دراسته فيه. وهو الأمر الذي تكرر حين انتسابه إلى كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق ليتابع تطوير تجربته، وتنمية موهبته. حيث كان أحد أميز طلابها، ومن ثم أحد أفضل خريجيها، لا يشي الهدوء الكبير الذي تتسم به شخصية غسان نعنع بالحيوية المدهشة التي تسكن روحه، فإلى جانب عمله المديد على لوحاته، كان أحد المشاركين النشيطين في ما عرف بمجموعة فناني حمص، التي امتاز أفرادها بالمستوى العالي لتجاربهم الفنية، وتباينها وتمايزها، رغم تشاركهم في الرحلات الفنية، وفي العرض. وإلى ذلك كان قسم كبير من وقت غسان نعنع يستهلكه شغفه بالاستماع إلى الموسيقا الكلاسيكية، وحرصه على قراءة الكتب الفنية والأدبية والسياسية، وإلى ذلك كله ظل حريصاً على اكتساب المزيد من الخبرة ما دفعه لإنجاز دراسة خاصة في مرسم (اناتولي كلانكوف) في مدينة (ستافروبول) الروسية بعد ثلاثة عشر عاماً من تخرجه من كلية الفنون الجميلة. ومنذ معرضه الفردي الأول المركز الثقافي العربي بدمشق عام 1978 أقام غسان نعنع ثمانية معارض فردية، وشارك في أكثر من عشرين معرضاً مشتركاً، كما نال عدة جوائز من مشاركاته في ملتقيات ومسابقات فنية، غير أن الأهم من ذلك كله أن غسان نعنع اسم يرتبط في الذاكرة الثقافية بتجربة فريدة تحظى بتقدير كبير في المشهد التشكيلي السوري بفعل قدرة صاحبها على توظيف موهبته وبراعته وثقافته الواسعة في إبداع لوحته.
لا يمثل قيام أيام الفن التشكيلي السوري الثانية بتكريم الفنانين عبد الله السيد وغسان جديد وغسان نعنع تعبيراً عن التقدير الذي يكنه الوسط التشكيلي، والوسط الثقافي عموماً لأشخاصهم وسيرهم الإبداعية، بقدر ما يمثل اعترافاً بأهمية التجارب، التي صنعت منهم أسماء مضيئة في المشهد التشكيلي السوري.
سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 24-12-2019
الرقم: 17153