إن نظرة خاصة ومتأنية في لوحاته تضعك في رحاب الإبداع والألق، فهو الترجمان المحلف لأبجدية الحروف العربية، حيث استطاع أن يمسك بناصية جميع أشكال وألوان وفنون الخطوط العربية ويجمعها في باقة عطر واحدة..
بهذه الكلمات يقدم الدكتور محمد منير أبو شعر للخطاط «محمود الهواري عميد الخط العربي» في كتابه الذي حمل العنوان نفسه، ويعرض لمسيرته الحافة وصفاته التي تحلى بها فيقول:
تحلى الخطاط محمود الهواري بالخلق الرفيع، كما كان عليه الخطاطون السابقون المبدعون من تواضع واحترام لمن سبقهم ومن عاصرهم، وتلتصق به كل الشيم والمكارم.
وقدم الخطاط الهواري كل ما يستطيع من جهد وإبداع للوصول إلى قوة التعبير وجمال الصنعة ورشاقة الرسم وثراء المضمون وجذبته ملكة الابتكار إلى تأليف لوحات فنية ناطقة عالية الإبداع منتشرة في كل الأصقاع.
ويعد الهواري من أكثر الخطاطين جرأة، حيث يكتب كالمحارب بقوة لا مثيل لها، فجعل نصل الحرف أقوى من نصل السيف، وعنده لا تغدو الخطوط والحروف مجرد آيات مختارة من كتاب الله تعالى أو أحاديث شريفة أو معان لكلمات أو عبارات شائعة فحسب، بل مدرسة وجامعة ورسالة مبثوثة على شكل لوحات تسر العين وتجلو الخاطر وتدفع المتذوق والقارىء إلى تأمل نفسه وما حوله من آيات في الأنفس والآفاق.
إلهام محفوض تقول في شهادتها: «إن الراحل الكبير محمود الهواري يقدر له حبه لوطنه وللحضارة السورية وللخط العربي، ويعتبر نابغة بلاد الشام دون منازع في رحاب هذا الفن الصعب الذي أطلقه وطوره بجرأة خلال مسيرته الحياتية والمهنية المظفرة..».
والخطاط محمود بن سعيد الهواري ولد في دمشق عام 1939، تعلم القراءة والكتابة عند الشيخ محمود المنيني رحمه الله، درس الخط على يدي الأستاذ بدوي الديراني، ونال منه الإجازة في جميع أنواع الخط العربي سنة 1966.
تتلمذ على يدي الخطاط الشهير هاشم البغدادي وحصل منه على إجازة في الخط العربي، وشارك في لجان التحكيم في عدة تظاهرات ومسابقات للخط العربي واشترك في الكثير من المعارض الفنية في سورية والبلاد الإسلامية والأجنبية.
تم تكريمه في عدد من المحافل الفنية المحلية والعربية والإسلامية، كتب مصحفين شريفين بحروفه الحاسوبية المصممة من قبله بخط الكوفي لسيدنا عثمان بن عفان والثاني بخط الثلث، وصمم الحروف العربية الطابعة بطريقة الضغط وحاز على شهادة تقدير عن اختراع هذه الطريقة، كما صمم وكتب عشرة أنواع من الخطوط الحاسوبية، ويعد منزله معرضا دائما لأعماله الكثيرة والمنوعة، وتوفي في العام 2010.
ويضم الكتاب بين دفتيه أقوالا في الخط العربي والعديد من الشواهد الشعرية التي تؤكد أهمية الخط ودوره وقد عده ابن خلدون صناعة شريفة ومظهرا من مظاهر العمران والحضارة.
ويعرض الكتاب لأنواع الخطوط مدعمة بالصور التي توضح أشكال الحروف وطريقة رسمها، بالإضافة إلى الأدوات التي تستخدم بالكتابة «القلم، المدى، المداد، المحبرة..» والمواد التي يكتب عليها « العسب، الكرانيف، عظام الكتف، الأحجار الرقيقة البيضاء..» ومراحل تطور الخط العربي عبر العصور.
ولاتقتصر حرفة الخط على الرجال، بل تمكنت المرأة بما امتلكت من مواهب متعددة وحس مرهف من مجاراه الرجل في هذا المضمار وكان لها محطات غاية في الجمال والروعة..
ويتوقف بحث «سلوك البشر تكشفه خطوطهم» عند دور الخط في كشف أسرار الشخصية، وقد ذكر علماء الاتصال أن الخط يعكس نوعية الشخصية، فالخط المستقيم مثلا يدل على الاستقرار النفسي والتوازن الداخلي، والخط الصاعد يدل على أن صاحبه طموح ومتفائل، والخط المتعرج يدل على عدم الاستقرار..
يقع الكتاب في 224 صفحة من القطع الكبير، غني بالمعلومات المهمة التي تبحث في تاريخ الخط وأشهر الخطاطين وشيوخ الخط العربي، وكيف يعبر الخط عن شخصية الإنسان وطبيعته، ويختتم المؤلف الكتاب بملف مصور عن لوحات الخط التي اشتهرت ونوع الخط الذي كتبت به، إضافة إلى بحث عن أساتذة الخط الكبار.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الخميس 2- 1 -2020
رقم العدد : 17160