الملحق الثقافي:نبوغ أسعد:
إن أول قصيدة سمعتها للشاعر توفيق أحمد كانت في مهرجان إبلا عام 2003 عندما أقامه فرع إدلب لاتحاد الكتاب العرب، وكان المهرجان الأول والذي حضره أكثر من ألف مثقف،حيث قال توفيق أحمد في قصيدة إبلا:
ولأنها أحلى الزهور تزاحمت
من حولها الأيام أطياراً ونحلاً
ومشت وفي يدها الغمام.. تسير عجلى
ومنها أيضاً:
هي نجمة سكنت ضمير الشرق
واكتحلت بمرود رمله
أكرم برمل البيد كحلاً.
هذا الدفق الذي جاءني مرتباً ومكوناً على شكل لوحات نسجت بأكثر من أساس شعري لأعرف أن إبلا وإدلب هما ما يريد الشاعر أن ينقل وصفهما إلى التاريخ وهو قادم من دمشق أو من حلب أو من سهول الغاب أو من مكان ما في سوريا على حب لا حدود له دفع به ليشارك في مهرجان إبلا.
الشاعر توفيق أحمد بداية قدم تصويره الذي يشع عاطفة وصدقاً بحذر الشاعر الخبير الذي جاءت خواتيم مقاطعه الشعورية كلوحات متراصفة في معرض قدسي شغف بمكان يعني وطن وعبادة وانتماء.
وحين يشوق المتلقي قراءة هذا النص يبحث عن حال آخر جاء في قصيدة بشكل آخر. فإذا قرأنا قصيدة بعنوان نشيد لم يكتمل.. يتجلى مباشرة الحضور اللغوي الباذخ الذي يتباهى به النص نظراً لتوخي الحذر من أي زحاف أو أي إرباك موسيقي كان يقع فيه كثير من الشعراء. فالنص يحمل سمة التكامل الشكلي إضافة إلى العاطفة الصادقة، والتي ترتكز على موهبة قادرة على تقديم القوة العطائية لمالكها الشاعر. ومن القصيدة نقتطف:
مزقيها الدفاتر الخضراء
وانثريها مع الرياح هباء
كنت يوماً مباهج الحسن فيها
صرت فيها وريقة سوداء.
نجد أن الشاعر لم يكن تقليدياً، فالبحر الخفيف هو بحر صعب المراس وصعب التعاطي وإن بدا سهلاً، فهو غير ذلك تماماً ولم تمتثل أدواته إلا لكل شاعر يحمل في منظومته الشعرية مع موهبته ثقافات مختلفة بما في ذلك الثقافة الاجتماعية والوظيفية ومعارف الحل والترحال.
وهناك أمر آخر، يبدو بهياً ولافتاً في نصوص الشاعر، هو تلك العودة إلى الماضي الذي يدل على عراقة انتمائه وتمسكه بذلك الانتماء في وصف لحالة عاطفية جاءت في تداعي الذكريات عندما كتب نصه هل تذكر يا أبي.
هل تذكر مثلي يا أبي
ذلك البابونج المتدلي
من على شرفة بيتنا الطيني
أنا أذكر تلك العاصفة
حملتني مع رفيقي الشقيين
عصافير في مهبها
كان الوقت وجعاً وغباراً
وربما يزال.
مما يشي أن هذا الشاعر تألق في كافة الأشكال الشعرية بلا استثناء وعبر مجموعاته المختلفة والمتنوعة.
فنجد أن كل الأشكال الشعرية وأنواعها تحافظ على مستواها الفني فلا يتناقص مستوى عن آخر، وعلى سبيل المثال إذا قرأنا أي نص من نصوصه النثرية، يأسرنا النص النثري كما يأسرنا النص الموزون نظراً لتوفر الحالة العاطفية التي تخص الآخر وتقارب الواقع حتى ولو كانت مبتكرة. يقول:
هجمت أنوثتك العصية في النساء
فمن يرد جموح أوردتي
على جسر اللظى الأطول
هل أنت سيدة البهاء
أموت لتبزغي قمراً.
الإبحار في المجموعة المكتنزة وعبر التجوال فيها نجد أصدافاً وياقوتاً ومرمراً، ويكفينا شغفاً هذا الإبحار الذي لا حدود له في عوالم الشعر الجنونية والعذبة مع الموسيقا التي تنقلنا إلى التأمل في جمالية الروح الأنيقة.
التاريخ: الثلاثاء7-1-2020
رقم العدد : 981