لمن هذا الرصيف؟

 

 لست من محبي الشتاء بأفضل أحواله, حتى عندما تكون أدوات الدفء موفورة وبكثرة, لا أدري لماذا يشعرني بالكآبة وضيق الخلق؟ وربما الشعور أن كل شيء بليد, حتى عندما كان الشتاء يحل على قرانا ضيفاً ثقيلاً مديداً, وأكداس الحطب قرب البيت والمدفأة لا تُطفأ ليل نهار, كان الأمر كابوساً.
صحيح أن هذا الشعور هو جانب شخصي, لا يهم أحداً غير صاحبه, وقد أجد المئات مثلي لا يحبون هذا الفصل, فالأمر طبيعي, فثمة من يراه الوقت المناسب للحركة التي يحبها, اليوم قررت أن أتشارك وهؤلاء التسكع تحت المطر الخفيف, من دوار كفرسوسة إلى شارع أبي رمانة, مسافة سير لا بأس بها ذهاباً وإياباً, قد تكون نوعاً من رياضة المشي والسياحة التي حرمنا منها, وهل أجمل من أن تكون سائحاً في شوارع مدينتك تحفظها حجراً حجراً, ورصيفاً رصيفاً؟
المسافة بضعة كيلو مترات, إذا ما قررت أن تقطعها سيراً على الأقدام كما أفعل دائماً، تحتاج إلى أقل من نصف ساعة بدقائق معدودة, ولكن الأمر اليوم يستغرق بالسيارة ساعات وقت الذروة, لسنا بصدد هذا الجانب من الأمر, لكن ما بالك أنه احتاج سيراً أكثر من ساعة ونيف, لا لأننا تعبنا أو أصابنا الخمول الجسدي.
ببساطة شديدة, لن تجد طريقاً تمشي عليه, الشارع للسيارات العابرة التي تزدحم حتى تكاد تنقل تياراً كهربائياً متواصلاً من أولها إلى آخرها لشدة تراصها, والأرصفة التي وعدتنا بها المحافظة ليست لنا أبداً, كل متر منها يشغل بسيارة مركونة, أو ببسطة ومتجر صغير، يبدأ لينتهي بعد يوم بمخزن كبير يتمدد, جرب أن تجتاز رصيفاًَ ما وتمشي لمسافة كيلو متر ولا تعترضك أكثر من مئة سيارة؟
جانب ملعب تشرين, الرصيف واسع وكبير, وهو حقيقة ممشى جميل يتمنى المرء صيفاً أو ربيعاً أن يضع كرسياً ويجلس تحت فيء الشجيرات, ولكن هل هو لنا, للمشاة؟ هل شاهدتم أرتال السيارات التي تصطف طولاً وعرضاً, وورشات الإصلاح التي لوثت كل بقعة محيطة به؟
لن تنجح بالعبور, عليك أن تعبر وسط الشارع, لتتعرض لأكثر من نعرة بطرف سيارة، لا يهم سائقها إلا أن يخلص من الازدحام, تلجأ للرصيف, فيكون الأمر أسوأ, تعود من حيث أتيت..
أما برك الماء التي تجعلك سباحاً فحدث ولا حرج, من التاون سنتر وأفران تفاحة على الأتوستراد إلى قرب مفرق الباردة تظن نهر الفرات قد صب هنا, بل تكاد تجزم أن ما يجري في نهر برى هذه الأيام لا يعادل جزءاً من هذه البحيرات, كل عام يتكرر المشهد والحال, وكل عام يفاجئ الشتاء المسؤولين, ويعدونك بشتاء قادم أكثر نظافة وسلاسة وقدرة على اصطياد السمك من ماء عذب, يتدفق بحريته نحو الطرق العامة.
أما في الطريق إلى أبي رمانة, فحدث ولا حرج, لقد ضاعت الأرصفة وصارت جزءاً من المطاعم والمقاهي التي على ما يبدو أنه لرواد من عالم آخر, بهية جميلة شفافة, تخجل وأنت تنظر إليها ظناً منك أنك سوف تصيبها بالحسد, تعبر وفي قلبك ألف سؤال وغصة، ليس حسرة على عدم دخولها، فهذا آخر الهم, لكن لأنك في عالم آخر, ثمة فصام حقيقي ترسّخ وتجذّر بكل شيء.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 10-1-2020
الرقم: 17165

آخر الأخبار
قياس أثر المعارض في اجتماع مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق جهود مكثفة لإعادة تأهيل الكهرباء في إدلب.. صيانة الشبكات وتغذية المدن والقرى بعد إلغاء السابقة.. النيابة الفرنسية تطلب إصدار مذكرة توقيف جديدة ضد المخلوع بشار الأسد بين الضجيج الإعلاني وتصريف المنتج.. المستهلك الحلقة الأضعف في بازارات التسوق "البسطات" في حلب.. شريان الحياة وتحدّي البقاء مترو دمشق ينتظر الترجمة الفعلية لتنفيذه حلم العاصمة منذ 43 عاماً.. ماذا لو تحقق؟ "نيويورك تايمز": حرب إسرائيل على غزة ظالمة واستمرارها إزهاق لأرواح جديدة القصيدة والقصة وسردية نون النسوة.. في ملتقى الكتّاب السوري اتفاق تجاري ينهي المواجهة بين الولايات المتحدة وأوروبا مطالب بمراعاة الظروف في التصحيح.. اختزال أسئلة الرياضيات يُربك طلاب الثانوية في حلب "تربية اللاذقية" تُنجز إدخال درجات مواد شهادة التعليم الأساسي والشرعي حلب بين العطش والاستغلال.. أزمة مياه تعيد الصهاريج مفوضية اللاجئين: زيادة ملحوظة في عودة السوريين من الأردن الجغرافيا.. مادة جافة ترهق الذاكرة وتثقل كاهل طلاب الأدبي غرفة صناعة حلب تُنهي تسجيل المشاركين في معرض "موتكس" التصديري للألبسة الجاهزة انتهاء أعمال تأهيل خطوط الصرف الصحي وتزفيت الطرق في حي صلاح الدين بحلب متأثراً بالأونصة العالمية.. تراجع نسبي بأسعار الذهب المحلي المواد الغذائية المستوردة تهديد للمحلي.. فهل من حلول!؟ الربط الإلكتروني مشوه.. وما نحتاجه فوترة حقيقية جرعة تحذير بعد الحرائق الأخيرة.. التغيّر المناخي بات واضحاً والعوز الغذائي أول المظاهر