جيل من الشباب الواعد طرق باب الفن السابع واستطاع أن يحقق جزءاً من أحلامه راسماً من خلال نتاجاته معالم الخطوات الأولى في عالم السينما، وهو مخرج شاب حقق المختلف منذ فيلمه الأول مع المؤسسة العامة للسينما ضمن مشروع دعم سينما الشباب، واليوم بعد عدد من التجارب التي حملت عمقها الفكري والبصري كما حملت روحها الخاصة، يقوم بإخراج فيلم احترافي قصير بعنوان (حيوات) تأليف د.رانيا الجبان وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، والذي يحكي عن مراسلة حربية طارحاً جدلية الحب والحرب والموت.. إنه المخرج حسام قصي شراباتي الذي كان لنا معه هذا اللقاء:
– أين تكمن خصوصية أن تكون بطلة الفيلم (مراسلة حربية)؟ وإلى أي مدى سعيت لإظهار عوالمها الداخلية؟
— خصوصيتها أنها شاهد عيان على كل ما يجري فهي ترى الموت المحيط بها بشكل دائم، كما أنها تعاني من فقدان خطيبها الذي خسرته في إحدى المعارك، فكل ما تراه هو عبث، والحقيقة بالنسبة إليها هي الموت. وقد حاولنا الغوص كثيراً في عوالمها الداخلية وإلى أي مدى أثر فيها الذي عاشته والخسارة التي خسرتها، وإلى أي مدى جعلها مُساقة نحوه، فبالنسبة إليها بات الأمر عادياً، إنه عمل مثل أي عمل آخر رغم أنه على تماس مباشر مع الموت.
– كيف استطاعت الكاميرا إبراز العمق الإنساني؟
— حاولت سبر أغوار شخصيات الفيلم كلها لأن هناك أكثر من نموذج، المراسلة والأم والجارة والعسكري ورجل اختار الابتعاد عن كل ما يجري والعزلة بلحظة ما، وبالتالي سعيت للدخول إلى عمق كل شخصية لرؤية كيف تشعر وماذا تريد وبما تفكر، حتى أن الفيلم تمت تسميته (حيوات) لأنه محاولة للدوران في فلك حيوات هذه الشخصيات التي تعتبر شاهداً على الحرب بشكل أو بآخر.
– من بطلك الحقيقي؟
— البطل الفعلي هو الموت الحاضر بقوة في الفيلم، فالموت والانتظار والخوف أبطال حقيقيون اليوم، وكل شخصيات الفيلم تعاني من الفقدان كما نعاني نحن، فكل منا خسر شيئاً في الحرب، ومن تلك الشخصيات (الأم) التي عانت من فقدانٍ وتحس بفقدان آخر بشكل ما.
– هل تعتبر أنك خطوت في (حيوات) خطوة أكثر تطوراً على مستوى الإخراج؟
— لا أستطيع تقييم نفسي إن كنت تطورت عن الأفلام السابقة، ولكن يمكن القول إنني سعيت في هذا الفيلم للعمل على الأجواء ومواقع التصوير وبشكل خاص على الإضاءة وانعكاسها على الشخصيات، وبالتالي حاولت توليف كل العناصر الفنية لتعكس عوالم هذه الشخصية.
– كيف جاء تعاملك مع الممثلين؟
— عملنا كفريق وكانت هناك جلسات مطولة مع الممثلين ناقشنا خلالها النص وحاولنا معاً بناء الشخصيات، وحدث ذلك كله ضمن رؤيتي كمخرج، وكانت هناك بروفات وعندما دخلنا التصوير كانت التحضيرات مكتملة.
– اعتمدت في أفلام سابقة على البطولة النسائية، واليوم أيضاً البطولة نسائية، فما الذي دفعك لهذا الخيار؟
— أول فيلم لي مع المؤسسة العامة للسينما تم تصويره في الحرب وكان هاجسي الوحيد الأنثى في زمن الحرب، وبقي هذا الهاجس يلاحقني ويتغير من فيلم إلى آخر ولكن ضمن التوجه نفسه. وأعتقد أنها الخاسر الأكبر خاصة ضمن الظرف الذي نمر بها، إن كانت الأم أو الأخت أو الزوجة أو الحبيبة.. ففي كل الأفلام التي قدمتها كانت الحرب موجودة سواء بمفهومها المادي أم المعنوي، لذلك شعرت أنه ينبغي تسليط الضوء على هذا المنحى.
– مفهوم الزمن كان حاضراً في أفلامك السابقة.. ماذا عن (حيوات)؟
— لا يزال حاضراً.. وعلى المستوى الشخصي أرى أن حاضرنا ومستقبلنا هو تجلٍ لماضينا، فالسينما فن النحت بالزمن (كما قال تاركوفسكي)، وبالتالي عندما أريد صناعة فيلم ينبغي أن يكون الزمن حاضراً فيه.
هناك جدلية عندنا وهي مقارنتنا الدائمة (كيف كنا قبل الحرب وكيف أصبحنا بعدها)، وقد حاولت اللعب على هذه الفكرة في فيلم (حيوات) فنرى المراسلة الحربية كيف كانت تمتلك مواصفات الأنثى الكاملة قبل الفقدان، ولكن في لحظة ما تجردت من أنوثتها بالمطلق، والأم التي كانت ترى أبناءها حولها يلعبون على الأرجوحة بات الأمر بالنسبة إليها ذكرى، الأرجوحة أمست فارغة، والأمر نفسه مع الجارة التي كانت تحب زوجها وباتت وحيدة، والعسكري الذي كان يحب التصوير وأصبح مصوراً حربياً، والمثقف المنفتح على الحياة الذي جعلت الحرب منه شخصاً منعزلاً ويتملكه إحساس باللا جدوى تجاه ما يحدث خارج باب منزله حتى أنه بات يخلق عوالم غير موجودة. فالفيلم قائم على الشخصيات وكل منها تحس ما تريد قوله ولا تستطيع القول.
– بأي معنى لا تستطيع القول؟
— بمعنى أن ما حدث معنا جعلنا عاجزين عن التعبير، فهناك حالة جعلت لديهم عجزاً عن التعبير باستثناء شخص واحد في الفيلم وهو المصور الحربي الذي يمكنه التعبير لكاميرته وهو يحكي لا يستطيع القول لأحد ولكنه يبوح للكاميرا.
– بالنظر إلى تجربتك وتجربة العديد من الشباب في الحراك السينمائي السوري خلال السنوات الأخيرة.. ما الذي أضفتموه وما البصمة التي حاولتم ترسيخها؟
— أفرز مشروع دعم سينما الشباب شباباً بمستوى جيد، وبالنسبة لي فقد حصلت على أكثر من فرصة ضمن المشروع واليوم صورت فيلمي القصير الاحترافي مع المؤسسة، كما أن (دبلوم العلوم السينمائية وفنونها) كان خطوة إيجابية أفرز أسماء جيدة أيضاً، وبالتالي لا بد من شكر المؤسسة العامة للسينما لما قدمته ضمن هذا المجال، فقد بات هناك الكثير من الشباب الذين يعول عليهم وأثبتوا أنهم يستحقون الفرصة التي أعطيت لهم، الأمر الذي يدفعنا للتقدم بخطوات تجاه تحقيق (صناعة سينمائية في سورية)، فاليوم الجهة الوحيدة التي تنتج أفلاماً في سورية هي المؤسسة العامة للسينما وهناك بعض المحاولات الخجولة في القطاع الخاص، ولكن عندما يوجد (كم) من الأسماء سيتسع هذا المجال ويكون هناك صناعة سينمائية، والمؤسسة تدعم هذا التوجه.
التاريخ: الاثنين 20-1-2020
الرقم: 17172