الوصول إلى منظومة متكاملة وكفوءة للنقل الجماعي، والارتقاء بوسائط النقل الجماعي وتأمين خدمة النقل الأمثل للمواطنين، هي الرؤى و الأهداف التي تسعى لها كل من وزارتي الإدارة المحلية والنقل من خلال طرح مشروع إستراتيجية نقل الركاب في سورية، وفقا لجدول زمني وخطط ستنفذ على المدى القريب والمتوسط والبعيد، نودع من خلالها أزمة النقل في المحافظات و بينها، وضغط الازدحام، ونقص الباصات، بل ونصل من خلال هذه الاستراتيجية إلى وسائل نقل متطورة حديثة مثل المترو والمونوريل والترام، والتي تمت بناء على دراسة تحليلية شملت الواقع الحالي للنقل الداخلي سواء بين المحافظات التي تشرف عليها وزارة النقل، أو في داخلها التي تقع على كاهل وزارة الإدارة المحلية والبيئة.
وقبل الوصول إلى الإستراتيجية المثلى لمعالجة وتطوير النقل الداخلي في القطر، قامت الوزارتان المعنيتان بدراسة تحليلية للبيئة الداخلية والخارجية لواقع منظومة النقل الداخلي بين المحافظات وفي داخلها، لتأتي الدراسة بعدة نتائج تحليلية كان أبرزها عدم وجود شركات للنقل الداخلي «عامة وخاصة» في 8 محافظات، ووجودها فقط في 4 محافظات «دمشق – حمص – حلب – اللاذقية» موضحة أيضا أن الواقع الراهن لشركات النقل الداخلي العامة يعاني من انخفاض بعدد العاملين والباصات ووجود عدد كبير من الباصات المدمرة التي يصل عددها إلى 695 باصا، ولا يمكن إصلاح منها سوى 178 باصا، في حين أشارت أن واقع شركات النقل الداخلي الخاصة يعاني أيضاً من انخفاض في عدد الباصات الفعلي وذلك من 407 باصات إلى 298 باصا يعمل فعليا، بالإضافة إلى قلة عدد الشركات التي تعمل في هذا المجال.
الدراسة التحليلية استعرضت أهم الإجراءات المتخذة لدعم هذا القطاع و توصيات لجنة الخدمات وإجراءات وزارة النقل التي تلخصت في السماح باستيراد ألف باص من الدول الصديقة وتأمين المحفزات اللازمة والسماح للقطاع الخاص باستيراد ميكرو باصات 24 راكب، حيث تم وضع آلية تنفيذية بهذا الشأن لاستيراد 2000 باص بسعة 22 راكبا وتم تعميم ذلك على جميع المحافظات.
كما بينت أنه تم معالجة عدة مشكلات كالنقص الدائم في أعداد الباصات العاملة على شبكة الخطوط حيث تم رفد شركات النقل الداخلي والمحافظات التي لا تمتلك شركات بعدد من الباصات يصل إلى 100 باص توزعت على المحافظات و كانت حصة دمشق منها 30 باصا وحلب 15 واللاذقية 15 وطرطوس 10 باصات.
أما في معالجة إشكالية ضعف الإمكانيات المادية اللازمة لشركات النقل الداخلي لتطوير عملها، فتم تخصيص شركات النقل الداخلي الأربعة بمبالغ مالية بقيمة 200 مليون ليرة لدمشق حيث تم من خلالها إصلاح 70 باصا من الباصات المتوقفة، ويتم وضعها بالخدمة تباعا، كما نالت محافظة حمص 50 مليون ليرة وحلب 200 مليون واللاذقية 50 مليون ليرة يتم من خلالها إصلاح الباصات المخطط لها ووضعها بالخدمة تدريجيا.
ومن خلال تحليل استراتيجي للنقل الجماعي أشارت الدراسة إلى نقاط القوة التي يمكن الاستناد إليها في المرحلة القادمة، وتتلخص في توفر أسطول للنقل /الباصات-الرحبات -المرائب -سيارات/ بالإضافة إلى توفر البيئة التشريعية الخاصة بالنقل، في حين بينت أن نقاط الضعف هي عدم وجود منظومات ووسائط نقل متطورة، و نقص في وسائل النقل نسبة لعدد السكان، وقدم وسائل النقل المستخدمة، ورحبات مدمرة بسبب الحرب، وعدم كفاية عدد السائقين والفنيين، وضعف الحوافز والتعويضات والمكافآت التشجيعية الممنوحة للعاملين في شركات النقل الداخلي العامة، وعدم توفر مسارات خاصة بباصات النقل الداخلي.
وفي ضوء ما تقدم تسعى الوزارتان إلى تحقيق جملة من الأهداف من خلال تنفيذ مشروع نقل الركاب في سورية تتلخص في تثبيت السكان في أماكنهم وتخفيف الضغط عن مراكز المدن، وتخفيف الازدحام في الشوارع ، والترشيد في استهلاك الوقود واختيار وسائل نقل صديقة للبيئة، وتطوير البيئة التشريعية وزيادة الموارد المادية، وهذا سيتم من خلال استراتيجيات مقترحة على المدى القريب بزمن تنفيذ 3 سنوات، وإستراتيجية أخرى متوسطة المدى على مدار 5 سنوات، وطويلة المدى 10 سنوات.
وتتلخص الإستراتيجية الأولى في المدى القريب على تشكيل لجنة مختصة في كل محافظة من جميع الجهات المعنية بالقطاع تضم خبراء وأكاديميين يكون مهامها على المدى القريب والمتوسط إعداد بنك معلومات شامل بخصوص قطاع النقل، وتحليل الوضع الراهن لهذا الواقع من بنى تحتية – آليات – موارد بشرية – مخططات تنظيمية..وإعداد التقارير اللازمة بخصوصه، ومن ثم تحديد الحاجة الفعلية والمتوقعة، والعمل على إمكانية الاستفادة من الموارد المتاحة «سكك حديدية موجودة..» وتقديم دراسة جدوى إدخال وسائل نقل جديدة غير موجودة في منظومة النقل الحالي»خطوط ميترو – ترام…» ووضع إستراتيجية شاملة للنقل ودراسات تفصيلية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل محافظة والمتغيرات المتوقعة فيها وتراعي موضوع السلامة البيئية لتنفيذ منظومات نقل متطورة، وذلك بالاعتماد على المؤشرات الأساسية لتخطيط النقل الجماعي، كما سيتم تشكيل لجنة مختصة من وزارت الإدارة المحلية والبيئة -النقل -الأشغال العامة والإسكان -الاتصالات والتقانة – المالية- العدل- مع خبراء وأكاديميين تكون مهمتها المتابعة والإشراف على عمل اللجان الفرعية التي سيتم تشكيلها وانجاز الإجراءات الداعمة.
وأوضحت الدراسة أنه سيتم اتخاذ إجراءات داعمة للإستراتيجية الأولى وهي إحداث شركة عامة لنقل الركاب على مستوى القطر هدفها الإشراف العام على مرفق النقل العام الداخلي ضمن المدن والمخدم من قبل الشركات الموجودة العامة والخاصة، مؤكدة أهمية دور القطاع العام» شركات النقل الداخلي» في دعم قطاع النقل، و تعزيز ثقافة النقل الجماعي، وإعادة النظر بالتشريعات الناظمة وتطويرها بحيث تصبح أكثر مرونة لجهة دعم قطاع النقل الداخلي، وإحداث شركات نقل داخلي في المحافظات وفقاً للأولويات والجدوى الاقتصادية، وزيادة أعداد الباصات والعاملين في هذه الشركات ، وتأمين كوادر وإقامة دورات تدريبية لتأهيلها.
كما بينت أنه سيتم إلزام الشركات بتجديد وإعادة تأهيل وصيانة الباصات لديها بشكل دوري، وإلزام جميع المنشات والمباني الخاصة والعامة التي تنشأ حديثاً بوجود مرائب فيها «نظام ضابطة البناء» مما يسهم في تخفيف وقوف السيارات في الشوارع، والزحف الحضري باتجاه المدن من خلال تأمين الخدمات اللازمة في الضواحي للحد من الازدحام داخل مراكز المدن وبالتالي التخفيف من المسارات الطويلة للنقل الداخلي، و تعزيز اللامركزية من خلال نقل الاختصاصات التي تعزز وتفعل خدمة النقل الداخلي بشكل أكبر، ورفد الشركات بسيارات ورش متنقلة لعدم توافرها لدى الشركات، وتعزيز دور القطاع الخاص في تطوير خدمة النقل الداخلي إلى جانب القطاع العام من خلال زيادة العمر التشغيلي لباصات النقل الداخلي الخاصة بشروط فنية معينة من 10 إلى 12 سنة، و تشميل استيراد القطع التبديلية لهذه الباصات ضمن القرار المتعلق باستيراد الآليات الصناعية باعتبار الباصات وحدة اقتصادية.
كما سيتم العمل على إعداد مشروع صك تشريعي على غرار المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 1976 وتعديلاته، للاستفادة من الموارد البشرية لتأهيلها على قيادة وسائط النقل الكبيرة ورفع أدائها للعمل في الشركة لمدة زمنية محددة يؤدي بها الخريجون عملهم كسائقين لحافلات النقل الداخلي مع تحديد التعويضات والمكافآت يتم اقتراحها في مشروع الصك أو تعليماته التنفيذية.
أما المدة المقترحة لإستراتيجية المدى المتوسط فهي 5 سنوات يتم خلالها اعتماد باصات نقل داخلي صديقة للبيئة، وإدخال التكنولوجيا والتقنيات المرورية الحديثة منها نظام تحديد المواقع، نظام دفع الكتروني، وإحداث مراكز انطلاق في المدن خاصة بالنقل الداخلي العام، و العمل على إخراج الميكروباصات» السرافيس» من مراكز المدن واستبدالها بباصات نقل داخلي وفق خطة وبرنامج زمني، وإيجاد مسارات خاصة في المدن للدراجات الهوائية والكهربائية للتخفيف من استخدام السيارات وفتح المجال أمام باصات النقل، والعمل على توفير البنى التحتية اللازمة، والتعاون مع الجهات المعنية لتوفير الشروط والخصائص المطلوبة لمسارات سير باصات النقل الداخلي، وتعزيز مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار بقطاع النقل وتهيئة كافة الظروف المناسبة من قوانين وإجراءات لتشجيعه على الاستثمار، بحيث يكون دور الدولة إشرافي تنظيمي ومراقبة ومتابعة، وتحديد نظام تقييم لخدمة النقل وفق معايير تعتمد على مؤشرات تؤخذ من مستخدمي هذه الخدمة ورضاهم عن جودتها من خلال استبيانات، والتنسيق مع الجهات المعنية لدراسة مواقف وأماكن انتظار المواطنين للباصات، وإيجاد نظام ترميز لباصات النقل الجماعي بحيث كل رمز يتبع لمسار رحلة، ووضع مخطط توجيهي لقطاع النقل الداخلي ضمن كل محافظة تحدد ضمنه المسارات التي تغطيها خدمة النقل الجماعي مع أرقام المسارات للاستفادة منه فيما بعد لتطوير خدمة النقل ضمن أماكن التوسع المحتملة للمدينة مع التأكيد على أن هذه الخدمة يجب أن تغطي كامل المدينة.
«على المدى البعيد» هي الإستراتيجية الثالثة لتحقيق أهداف هذه الدراسة، ومدتها ستكون 10 سنوات يتم من خلالها الوصول إلى منظومة نقل جماعي بخدمات مناسبة للمواطنين ومعتمدة من قبلهم أكثر من وسائل النقل الأخرى، والوصول إلى مخطط شامل تحدد عليه المسارات التي تغطيها خدمة النقل الداخلي مع ترميز مناسب باستخدام تكنولوجيا المعلومات ونظم المعلومات الجغرافية يتم تحديثه تبعاً للحاجة والطلب، ووجود بنك معلومات شامل مرفق بالمخطط يتضمن كافة المعلومات المتعلقة بخدمة النقل العام ضمن كل محافظة، والبدء بتنفيذ مشاريع وسائل النقل الجماعي الحديثة» مترو -مونوريل -ترام …» وتكاملها مع كافة وسائط النقل حسب خصوصية كل محافظة ومتطلباتها.
دمشق- فارس تكروني:
التاريخ: الجمعة 24-1-2020
الرقم: 17176