المتابعون لما يسمى بصفقة القرن أو صفاقتها منذ إعلان ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس وضم الجولان، لم يفاجؤوا بالمهرجان الانتخابي الذي عقده مع ربيبه نتنياهو في واشنطن وأعلن فيه الصفقة.
لقد بدا واضحاً أن الرجلين مأزومان، وهما على أعتاب الانتخابات التي تهددهما بالسقوط وبالتالي تجرهما إلى المحاكمة بتهم الفساد والرشاوى، وكانت فرصة لترامب ليوحي أن بلاده ما زالت القطب الأوحد والأقوى في العالم.
لا شك أن مثل هذا الإعلان الخطابي رغم ما فيه من وعود مستحيلة، هو محاولة تصفية نهائية للقضية الفلسطينية ويعتبر المرحلة التنفيذية النهائية لوعد بلفور عام ١٩١٧ الذي أعطى فلسطين المحتلة وطناً قومياً لليهود، والآن يمنح ترامب بموجب صفقة صهره جاريدكوشنير (لورنس العصر) ما تبقى من أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الغنية وتحويلها إلى أرخبيل حكم ذاتي بعاصمة (أبو ديس) تحت وصاية الصهاينة وكتاجر عقارات أعلن عن إغراءات مالية بـ 50 مليار دولار ثمناً للأراضي المسلوبة تدفعها بعض دول النفط العربية كما أقرت في ورشة المنامة. لكن الخطير في الصفقة هي التفاصيل التي احتلت 200 صفحة سربت بعضها الصحف الغربية، وتتضمن التوطين في غور الأردن وشمالي سيناء، وتخيير اللاجئين في لبنان وسورية إما الانتقال إلى الأردن أو سيناء، ولم يشر ترامب إلى إشراف الأردن على المقدسات التي كانت في نطاق 40 دونماً أو إنشاء كونفدرالية إشرافية أردنية، فلسطينية، اسرائيلية على هذه المساحة، والتي رفضها الأردن سابقاً.
وعودة إلى احتفالية الإعلان عن الصفقة فقد أعطاها العربان شرعية بحضور سفراء الإمارات والبحرين وعمان، لكن الغائبين كانوا أكثر حضوراً ونعني هنا السعودية، للإيحاء بأن العرب يوافقون على الصفقة (85% من الدول العربية موافقة، ومعظم الشعوب العربية بين رافض وغير مكترث). لقد ذكرنا كما ذكر المحللون مراراً أن أكثر المتضررين من هذه الصفقة إضافة إلى الشعب الفلسطيني هي الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين وفي مقدمتها الأردن، بتوطين نحو مليون لاجئ في غور الأردن ومنحهم الجنسية وتمتعهم بكامل المواطنة، وفي لبنان وسورية بإبقاء المخيمات على وضعها بعد وقف معونات وكالة الغوث، أو تخييرهم بالرحيل إلى الأردن أو سيناء. وفي مصر (شمالي سيناء) تفتح المعابر لأهالي غزة ويبقون تحت إدارة مصرية تكون مهمتها دمجهم تدريجياً دون منحهم الجنسية. وهذه الدول هي ذاتها التي هيأت فيها أميركا وإسرائيل وأتباعهما العربان بيئات مضطربة أمنياً وسياسياً واقتصادياً ترغمها على القبول بالصفقة، بما في ذلك عمليات التطبيع، ومن الطبيعي أن يلتقي نتنياهو بوتين لوضعه في تفاصيل الصفقة، لكن موسكو اعتبرت الجولان أرضاً سورية محتلة، داعية إلى حل وتبقى مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي التي تتمسك بحل الدولتين.
الأهم في هذه المرحلة هو موقف الشعب الفلسطيني وفصائله الرافض للصفقة برمتها.
في كل الأحوال فإن الكلمة الأولى والأخيرة هي للشعب الفلسطيني مدعوماً بدول محور المقاومة، وستكون فرصة كبيرة قد لا تتكرر في توحيد الصف الفلسطيني لإطلاق مقاومة شرسة وجامعة قد تقلب كل الموازين وتبدأ مرحلة جادة نحو تحرير كامل التراب الفلسطيني.
وإن غداً لناظره قريب…
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 4-2-2020
الرقم: 17184