لينجـــــــو العالــــــم وذاكرتــــــه مــــــن الطوفــــان

 «بعد دقيقةٍ واحدة من الانفجار الأخير، سيكون أكثر من نصف البشر قد قضوا نحبهم، وسَيحجب غبار القارات المشتعلة ودخانها ضوء الشَّمس، وسيخيِّم الظلام المطبق على العالم، ومن نالوا التواجد في ملجأ آمنٍ في يوم هذه الكارثة المشؤومة، سيكونون قد نجوا بحياتهم كي يموتوا بعد ذلك من هولِ ذكرياتهم وحسب. الخلق سينتهي، وفوضى الرطوبة والليل الأبدي، لن يتركا إلا الصراصير كأثرٍ وحيد مُتبقٍ مما كانت عليه الحياة..».
مقدمة لكلماتٍ، وإن ظنَّ القارئ بأنها عبارة عن هذيان أو تخيلات عجائبية لحكايات شيقة، إلا أنها ليست إلا رؤية مستقبلية لكارثة كونية مُسبقة.. رؤية الكاتب والأديب الكولومبي «ماركيز» الذي وجد بأن هذه الكارثة قد تقع في أيَّ لحظة، وبسبب «انفجار موجَّه من الترسانة النووية التي تنام بإحدى عينيها، وترصد بالعين الأخرى، في مستودعات أسلحة القوى العظمى».
نعم، هي رؤية كاتبٍ مثلما عُرف بمواقفه المناهضة للاضطهاد والديكتاتوريات والعنصرية، عُرف بمواقفه المدافعة عن القضايا العادلة ومنها الفلسطينية..
عُرف أيضاً بقلقه من القرن العشرين الذي اعتبرهُ أشدّ القرون شؤماً وتهديداً للعالم الذي باتت ذاكرته مفخَّخة ومعرّضة للانفجار، إن لم يستفد من التراث الثقافي الهائل، والطوفان الإبداعي الجارف، بوصفهما ثقافة مقاومة واحتجاج «لا يمكن أن يروضها النهم الإمبراطوري، أو وحشية القوى العظمى والطغاةُ والاستعمار».
هذا ما عُرف به «ماركيز» الذي كان قد استشعر مقدار خطورة هذه الترسانات التي سيؤدي انفجارها المريع وقدرتها التدميرية، إلى «محو كلّ أثرٍ للحياة على الأرض اثنتي عشرة مرة، مع إعطابِ أربعة كواكب أخرى، فضلاً عن تلك التي تدور حول الشمس، والتأثير على توازن المنظومة الشمسية»، ما جعله يؤكد، بأنه لا يوجد علم أو فنّ أو صناعة ضاعفت نفسها أضعاف المرات كالصناعة الذرية، وبأن كلّ ما قدَّمه العالم من إبداعٍ إنساني – عبقري، لم يتمكّن من طي صفحة حيازة أسلحة تزيل الوجود، وتحسمُ مصير البشرية.
حتماً، هو طاعونٌ نووي مرعب في تهديده للجنس البشري.. طاعونُ القوى التي تهدِّد العالم رغم أنها تتباهى بديمقراطيتها، وفي الوقت الذي تستغلهُ لرصدِ جميع إمكانيات القوة والصناعة، في سبيل تدمير الحياة وكائناتها.
كل ذلك، جعل الفضاء المشتعل يتَّسع ويهدد البشر أكثر، وإلى أن أصبحنا نشعر بأن كل إنسان في هذا العالم يقبعُ على رأسٍ نووي وينتظر الانفجار الأكبر.. تتطورُ صناعة الأسلحة التدميرية، وسباق التسلح يتفاقم والكل يترقب النهايات المأساوية..
لاشك أنها النهايات التي حذّر منها كُثر من العلماء والكتاب والمبدعين، ومنهم «ماركيز» الذي ستبقى كلماته رغم رحيله تطالب العقلاء المستبصرين: «علينا نحن رجال العلم ونساؤه، رجال الأدب ونساؤه، رجال السلام ونساؤه. علينا جميعاً تقع مسؤولية أن نصل الآن وهنا، إلى الالتزام بوضع تصوُّرٍ، وصنع فُلك الذاكرة القادرة على النجاة من الطوفان النووي. أن نصنع نوعاً من قارورة الناجين من الغرق الكوني..
علينا أن نفعل ذلك، كي تعرف الإنسانية الجديدة عنا ما لايمكن للصراصير أن ترويه لها، وعن أن الحياة وجدت هنا، وأن الألم والظلم كانا سائدين فيها، لكننا بالرغم من ذلك كله، عرفنا الحب وكنا قادرين على تصور السعادة، وكي تعرف جميع الأزمنة، من هم المسؤولون عن كارثتنا، ولِمَ صمُّوا آذانهم عن صرخاتنا المطالبة بالسلام، وبجعل هذه الحياة أفضل الحيوات الممكنة دون اختراعاتٍ بربرية».

هفاف ميهوب
التاريخ: الأحد 9-2-2020
الرقم: 17188

 

 

 

آخر الأخبار
أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء طرطوس.. الاطلاع على واقع مياه الشرب بمدينة بانياس وريفها "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية المستشار الألماني الجديد يحذر ترامب من التدخل في سياسة بلاده الشرع: لقاءات باريس إيجابية وتميزت برغبة صادقة في تعزيز التعاون فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا سيئول وواشنطن وطوكيو تتفق على الرد بحزم على استفزازات بيونغ يانغ تنفيذي الصحفيين يجتمع مع فرع اللاذقية درعا.. تبرع بالدم لدعم مرضى التلاسيميا غارات عنيفة على النبطية .. ولبنان يدعو لوقف الاعتداءات الإسرائيلية "زراعة القنيطرة".. دعم الفلاحين بالمياه والمستلزمات للزراعات الصيفية فلاحو درعا يطالبون بتخفيض أسعار الكهرباء توفير الأسمدة والمحروقات أول عملية وشم واسعة النطاق للخيول الأصيلة في دير الزور إدلب: في أول جولة له بالمحافظة.. وزير الاقتصاد يطَّلع على الواقع الصناعي والتجاري مرتبطة بسمعة الطبيب السوري.. كيف يمكننا الاستثمار في السياحة العلاجية