كيف يمكن أن نجعل للفن التشكيلي جماهيرية وهو المعروف بفن الصالونات أو كما يطلق عليه «فن النخبة» نتابعه في المعارض والصالات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والقضية التي يجب أن تنال قسطا كبيرا من الاهتمام هي: كيف نوجد شريحة وقاعدة جماهيرية للفن التشكيلي؟ فلاشك هذا يحتاج إلى عمل وتضافر جهود وإلى منهج تربوي وإعلامي وتثقيفي تقوم به كل الجهات المعنية في الفن التشكيلي، ولابد من وضع الهموم والمشكلات تحت الضوء للوصول إلى حلول تنهض بهذا الفن ويصبح في متناول الجميع ويأخذ حقه من الاهتمام.
تساؤلات وضعها مخلص الورار أمام المشاركين والجمهور في مركز ثقافي العدوي في ندوة حملت اسم «تحية حب.. الفن التشكيلي.. هموم ومشكلات» شارك فيها كل من د.محمد غنوم، د.نبيل رزوق، موفق مخول.
الإرادة والتصميم
يرى د. محمد غنوم أن الهموم في الفن التشكيلي ربما تحتاج إلى آلاف الصفحات، بينما الحلول لاتحتاج إلا إلى الإرادة والتصميم والدراسة المتأنية، يشترك في وضعها مختلف شرائح المجتمع، وتتمثل في نقاط ثلاث:
أولها جماهيرية الفن التشكيلي، فالفنانون التشكيليون يشكون من ضآلة الجماهيرية للفن التشكيلي بين بقية الفنون وهذا يعود إلى ضعف الثقافة البصرية لدى غالبية الشعب والنابعة أصلا من مناهج التدريس التي تزرع بذورها منذ الصغر.
وثانيها يساهم الوضع الاقتصادي المتردي لأفراد المجتمع في إحجام جماهير الشعب عن اقتناء الاعمال الفنية، فهناك حاجات معيشية أساسية تدفع المواطن للانشغال بتأمين لقمة العيش ومتطلبات الحياة الضرورية.
وثالثها تعالي بعض الفنانين التشكيليين والابتعاد عن الجماهير بحجة بعضهم أن الفن وجد للنخبة، ولمن يتذوق ويدفع المال ويؤمن التباهي ويدخل الفنان في مجتمعاتهم المخملية حيث الاضواء والحفلات.
ويبين غنوم الحلول التي يمكنها أن تساهم في تكريس جماهيرية الفن التشكيلي ومنها: زرع الثقافة البصرية، والبداية من التربية التي تبدأ بتكون شخصية الطفل من خلال المناهج الدراسية، وإدراك أن التربية الجمالية تجعل شخصية الإنسان سوية. وتأصيل الفن التشكيلي والعودة إلى الموروث البصري، مع الاستفادة من كل ثقافات العالم البصرية، فنحن نملك موروثا هائلا من الثقافة البصرية ومنها الخط العربي ومالديه من جماليات مختلفة عن كل الفنون البصرية بالعالم.
والأهم هو تواضع الفنان والتقرب من الشعب في المدرسة والشارع والحديقة والبيت، وتكون لوحاته في متناول الجميع، ولايمكن إغفال دور النقد الفني ومساهمته الفعالة في ردم الهوة بين الفنان والمتذوق، هذا إلى جانب دور وسائل الإعلام وإعلان المسابقات والمهرجانات والمطبوعات وورشات العمل التي تعلنها وزارة الثقافة، واقتناء العديد من أعمال الفنانين للتشجيع على ازدهار هذا الفن الجمالي بامتياز.
مشروع وطني
اللوحة الفنية كما يراها الفنان التشكيلي موفق مخول هي الأكثر معاناة، ولكن الجهود كانت كبيرة لإدخال هذا الفن إلى المناهج الدراسية، حتى صار للفنانين حضور واضح في المناهج، وكذا بصمتهم في عالم الطفولة لتنمية ذائقتهم وغرس حب الجمال في نفوسهم.
فالمشروع الفني لايسعى إلى خلق فنان، بل إنسان يحب الفن والوطن، وهذا ماسعينا إليه في «إيقاع الحياة» وتزيين الشوارع والساحات وأسوار المدارس لننشر الجمال في كل مكان، ورغم اعتراض ونقد الكثير من الفنانين لمشروعنا هذا، لكن إيقاع الحياة مستمر وهو يلاقي استحسانا في الآن نفسه من جهات عديدة، بل وتشجع على الاستمرار.
ولكن بعيدا عن المشاعر مانحتاجه هو أن تنزل كليات الفنون إلى الشارع لتعمل وتخلق حوارا بين الفنان والمواطن، ليكون للوحة حضور، وهذا مانسعى إليه في مشروعنا الثقافي، فنحن نعمل بين السيارات وربما نضطر لإزالة الكثير من النفايات لتحل محلها لوحات جميلة تنبىء عن حضارة وعراقة غير آبهين بقسوة الانتقادات التي توجه إلى فريق الفنانين المواظبين بكل حب على تنفيذ مشروعهم.
وكل مانتمناه يقول مخول: أن تتوزع الأعمال الفنية في الجامعات والدوائر الرسمية والشوارع لنشر الثقافة البصرية والاحتفاء بالفنان السوري المبدع، وهذا بحد ذاته مشروع وطني.
صعوبات فن الحفر والطباعة
ويسلط بدوره د. نبيل رزوق الضوء على فن الحفر والطباعة ومايعانيه من صعوبات تحد من انتشاره أو ممارسته، فالكثير من الخريجين في هذا القسم يهجرونه إلى فن آخر على أهميته وذلك لأسباب يوجزها بالأمور التالية:
صعوبة القيام بهذا الفن للخريج بسبب عدم توفر اللوازم الضرورية له كالمكابس والمحابر وغير ذلك من الأدوات، وذلك لصعوبة استيرادها من الدول الأوربية وأيضا ارتفاع سعرها، مايؤثر سلبا على إنتاجهم العلمي والفني، ولذلك نرى أن الطباعة الحجرية مثلا والمعدنية بدأت تنقرض لعدم استيراد الألواح من أوروبا.
ومن الحلول التي يراها مناسبة لتطوير هذا الفن يقول رزوق: يجب تأمين جميع الأدوات والمكابس والأحبار اللازمة لهذا الفن، وإنشاء مراسم تخصصية لفن الغرافيك في المراكز الثقافية تتوفر فيها الأدوات اللازمة، هذا إلى جانب ضرورة إنشاء جمعية فنية تخصصية تعنى بهذا الفن وتأمين مايحتاجه فن الحفر لضمان ممارسته بشكل جيد.
ولايمكن تجاهل ضرورة تطعيم لجان تحكيم المعارض بفنانين من الحفارين للتشجيع على هذا الفن، ورفع أجور الأعمال الفنية التي تصل تكلفة العمل في الكثير من الأعمال أكثر من الأجور، وهذا ربما يسيء للعمل الفني ويهجره أصحابه.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الخميس 13-2-2020
الرقم: 17192