ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : لم يكن من الصعب فهم دوافع وأسباب عودة الأميركي إلى النفخ في القربة المثقوبة التي سبق له النفخ فيها مراراً وتكراراً، طالما كان يقف إلى جواره أردوغان، ومعالم الخيبة مما ذهبت وتذهب إليه الأمور قد تلبسته، وطالما سبقته تطورات وتصريحات ومواقف يصعب جمعها تحت سقف واحد أو على أرضية واحدة.
ولم يكن من العسير تفسير الزوابع السياسية وعواصف الحشد الدبلوماسي، من أجل العودة إلى المربع الأول في محاولة لتحسين شروط الجلوس على الطاولة التي يبدو أنها لازمة في نهاية المطاف وباتت أمراً لا مفر منه، رغم تهيب الأميركي وتوجس حلفائه ورعب أدواته، ورغم عتب الإرهابيين وتأنيب الإسرائيليين.
المسألة قد لا تكون بهذه البساطة، ولا هي بهذا التسطيح، غير أنها في معيار المحاكمة المنطقية لحصيلة ما خرج به أردوغان من واشنطن، تصلح للمعايرة والبناء عليها، حيث بدا واضحاً أن الجعبة الأردوغانية بدت مثقوبة لا قعر فيها ولا محددات جانبية تستطيع أن تخفي خواءها، يقابلها على الضفة الأخرى حديث أميركي يثير الهواجس أكثر مما يبعث على الطمأنينة.
فالحديث عن الخيارات المفتوحة لا يعكس بالضرورة أن لدى الأميركي ما يمكن أن يفعله أكثر مما قام به حتى الآن، وفي الوقت ذاته لا يعني أنه بدأ مرحلة الانكفاء فحسب، بانتظار ما ستسفر عنه المشادات السياسية القائمة في السر والعلن مع الروس حول ماهية المؤتمر الدولي المقترح، بقدر ما تترجم انزياحاً فرضته الضرورة، واقتضته التطورات التي تسابق فيها السياسة أرض الميدان.
ما يشد الانتباه وسط هذه المتاهة من التفصيلات الأميركية المتضاربة والمتناقضة، هو الغوص الإسرائيلي بعيداً في تفخيخ المناخ الدولي بموافقة أميركية صريحة واضحة، وبضوء أخضر لمواصلة عربدتها والبقاء على زناد التفجير إذا ما وصلت الأمور إلى النقطة التي قد يضطر فيها الحلفاء مع الأميركيين دفع فاتورة عجزهم وفشلهم، في تحقيق المقاربة السياسية والعسكرية.
وهذا ما يمكن فهمه مقارنة بالتسريبات الصحفية والسياسية عن زيارة مدير الاستخبارات الأميركية المركزية الأميركية لإسرائيل بالتوازي مع الضوء الأخضر الأميركي، والبحث في دور الحلقة التركية الباحثة عن تموضعها العلني في السلسلة الإسرائيلية الأميركية والغربية عموماً بعد المصالحة مع الإسرائيلي، مثلما هي عقدة الوصل بين الإرهابيين في الرعاية والحماية والإدارة وبين المشروع الغربي القائم بتجلياته المختلفة وامتداداته المتباينة في غير موقع ومكان.
حين يدخل الأميركي مرحلة الانتظار، يلوذ حلفاؤه بالصمت المطبق، وحين يتلعثم في قراءة التفاصيل أو يرتبك في فهم العناوين، تبدأ أدواته في المنطقة بالعرج يميناً والالتواء شمالاً، أما عندما يتحدث في الحلول السياسية، فنراها – أدوات ومرتزقة – تخرج من جحورها، وتطل برؤوسها للاصطياد والعرقلة والتعطيل.
الحال هذه تتساوى فيه جميعها، ولا تختلف حسابات الأدوات التقليدية عن تلك المستجدة، ولا فارق بين مرتزق أدى وظائفه وآخر ينتظر ما يأتيه من أوامر عملياتية تقتضيها الضرورة أو الظرف، لا تستثني الحليف التقليدي الاستراتيجي عن الآني والمرحلي.
انتظار الأميركي لا يندرج في إطار الحيرة فقط، بل تحركه أيضا تمنيات وأمنيات تعكس المراهنة على مزيد من الوقت، فيما تماطل على الجبهة السياسية لاستنفاد الوقت المتبقي، أما صمت الحلفاء وعرج الأدوات فله حساب آخر وتوليفة أخرى يقارعون من أجل تسويقها لإعادة الإمساك بخيوط اللعبة المتشابكة وبعضها قد ترهل بما يكفي فيما يواجه بعضها الآخر اهتراء ظاهراً للعيان.
ربما لم تصل الأمور إلى لحظة الافتراق الكلي بين إفلاس الأميركي من الوصول للنهاية التي كان ينتظرها هو وحلفاؤه، وبين اللحظة التي تنتظره عاجلاً أو آجلاً باعتراف ما لم يكن بالحسبان يوماً، بعد أن تغيرت مفردات المعادلة وأصولها، وربما أطرافها.
a.ka667@yahoo.com