ثورة اون لاين: يبدو أن مقدرات بعض المسؤولين الأردنيين لم تسعفهم بما فيه الكفاية للتعبير عن هواجسهم ومخاوفهم، ولا للاحتفاظ بالكثير من مشاعرهم الخاصة حيال ما يجري،
ولم يتح لهم تسارع الأحداث الفرصة الكافية لتدارك الانزلاق في متاهة الحسابات المغلوطة، وفي التوقيت الخاطئ، سواء ما تعلق منها بطلب نشر الباتريوت أم في استضافة أعداء سورية.
ورغم الصورة الذهنية الملتقطة للسياسة الأردنية في لحظات الحبكة النهائية، وهي التي اعتادت أن تجيد القفز على الحبال المشدودة، واللعب على متناقضات المشهد الدولي، فإن "البراعة" الأردنية هذه المرة كانت غائبة وخذلت الكثير من مسؤوليها في لحظة لا تقبل القسمة على اثنين، ومن غير المسموح فيه معاودة ارتكاب الخطأ مرتين، باعتبار أن أي خطأ، ومن أي مستوى، سيكون الأخير، حيث حقول الألغام السياسية كما هي العسكرية والدبلوماسية تثقل كاهل المنطقة وتمتد بامتداد خطوط الطول والعرض.
الأردن قبل غيره يدرك أن التزاحم الغربي والتدافع العربي لحجز مقعد في قطار الحل السياسي، يقتضي في الحد الأدنى الابتعاد عن الشبهات و"النأي بالنفس" عن الانخراط المباشر في الضفة المعاكسة للتيار، سواء أكان عن قصد أم من دون قصد، خصوصاً أن الغرق في اللحظات الأخيرة له الكثير من العواقب التي يصعب في العادة تدارك منعكاساتها.
والأمر لا يتعلق بهذه الاستضافة التي باتت عبئاً حتى على الذين كانوا الآباء غير المشكوك في أبوتهم لها، والمتبنّين قولاً وفعلاً، بل في خفايا ما يجري تداوله خلف الكواليس من إصرار غربي على تعطيل الجهد الدولي بأي وسيلة كانت، بحيث يكون الأردن البوابة الجديدة لهذا التعطيل، وهذا ينطبق على المستوى السياسي كما هو على المستوى الاستخباراتي، ومن الطبيعي أن يكون على المستويات الأخرى.
لن ندخل في جدل التسميات ولا في منطق الافتراض السياسي الذي يحاكي من خلاله البعض تمنيات بددتها التطورات الأخيرة وأسدلت الستار عبرها على فصول كاملة من المخططات والبدائل، لكنها في لحظة الافتراق، وربما من زاوية الفرز، نحتاج إلى التوقف عندها.
فحين يصل السباق إلى ذروته يتداخل فيه الماضي مع الحاضر، ويتقاطع معهما المستقبل في خطوط ترسم الفارق بين الجهود الرامية لعقد المؤتمر الدولي حول سورية في جنيف، وبين المحاولات المحمومة من أطراف وقوى ودول لا تريد للحل السياسي أن يشق طريقه، وهو سباق تشتد وتيرته، كلما لاحت في الأفق خطوات أو ظهرت معطيات يمكن لها أن تخدم الحل السياسي.
ربما لم يعد من الصعب الفرز الكلي بين من يريد أن تثمر تلك الجهود وبين متذمر ومتوجس وربما قلق ومذعور، ولم يعد أيضاً من العسير التقاط المساحة الفاصلة وقد اتسعت بما فيه الكفاية بين الأطراف الرافضة للحل السياسي بتراتبية تموضعها داخل العربة الأميركية وربما وفق درجة ترهل حبالها، وتزداد وضوحاً حين يصبح العامل الإسرائيلي حاضراً دائماً ليس في الكواليس، بل على طاولة النقاش، وأن تكون بعض المطالب المطروحة جزءاً لا يتجزأ من الإملاء الإسرائيلي، وفي بعضها خدمة مجانية لم يطلبها أصلاً.
وسط هذا التلاطم في المواقف والتقاذف في المسؤوليات، قد نتفهم أن ينزوي البعض تاركاً الباب موارباً على لحظة يكون فيها قادراً على الجمع بين متناقضات الحالة، بحيث يكون متناغماً مع الصوت الأميركي حين يتحدث عن حل، وفي الوقت ذاته لا يتردد في التطابق مع الهمس الإسرائيلي وشركائه الإقليميين من أعراب وعثمانيين لتفجير أجواء الانفراج.
لكن أن يكون من أتقن فن الاصطياد – ولو في الوقت بدل الضائع – قد اختار اصطفافه على الضفة الأخرى بهذه العلنية وأن يستفيق متأخراً على طلب النجدة بالباتريوت وأن يبدي كل هذا الكرم في استضافة أعداء سورية في حضانة بلاطه الملكي!!
فثمة أسئلة محرجة لا بد للأردن أن يسمعها، وثمة إجابات صعبة ندرك أنه لا طاقة له للإجابة عنها، لكن حين يلح بالطرق على الباب، لا بد أن يسمع الجواب.
علي قاسم