تسعة أعوام مضت والغطرسة الأردوغانية على بلدنا الغالي لمّا تنتهِ بعدُ، فمنذ أن هيّأ المخيمات في الريحان وغيرها ليدّعي أن الذين قدموا لتركيا نازحين تركوا بيوتهم وقراهم ومدنهم خوفاً من الجيش العربي السوري، وتبيّن للمجتمع الدولي أن السوريين ليسوا نازحين بل هُمُ مهجّرون أجبروا على مغادرة بلادهم بفعل جرائم الإرهابيين الذين دفع بهم أردوغان تنفيذاً لأجندة أميركا والصهيونية التي رمت في مخططاتها الإرهابية إلى شنّ حرب الإرهاب من أجل تدمير دولة المقاومة سورية ضد الصهيونية، وتفكيك مجتمعها العروبي المقاوم.
وللمزيد من ممارسة سياسة الغطرسة مارس أردوغان دور الوكيل المأمور من الحلف الأميركي والصهيوني المتعهد تدمير الدولة السورية، وبهذا الدور سمحت له أميركا وأطلسيّوها بأن يغيّر نظام الحكم في تركيا من برلماني علماني إلى رئاسي «ثيوقراطي»، بينما لو أن أحدا غير أردوغان ممن لا يأتمرون بالأوامر الأميركية قد خطا هذه الخطوة لكان الاستنكار الأميركي قد بلغ كل المبالغ التي تقف ضداً لهذا التحوّل.
وهنا استثمر أردوغان غايات الحلف المعادي لسورية حتى يقايض تشغيله ضد سورية بممارسة أحلامه السلطانية والعودة إلى خارطة نفوذٍ على أرض بلدنا لم تعد تقف عند لواء اسكندرون ولا عند غيره من الأراضي التي اقتطعت من الجغرافية السورية على طول الحدود مع تركيا بالتحالف مع المحور في الحرب العالمية الأولى 1914م.
ثم لاحقاً أظهر أردوغان ذريعة أمن تركيا القومي على اعتبار أن «قسد» باتت تهدده عندما أخذت تباشر العمالة لأميركا لتحاول فرض إدارة محلية في سورية بالدعم الأميركي تكون نواة لكانتون «كردي» منفصل عن السياسة المفروضة للدولة الشرعية على كامل أراضيها.
ورغم الموقف الأميركي الداعم للإنفصاليين «قسد» واصل أردوغان دور المشتغل عند السيد الأميركي والصهيوني، ولم تجمعه مع سورية خطورات العدو الواحد الذي يهدد الأمن القومي للطرفين؛ بل على العكس ازداد استعداداً لتنفيذ الأجندات الأميركية والصهيونية على الرغم من مساهمته في آلية «آستنة» والدول الضامنة، وآلية «سوتشي» والاتفاقات مع الاتحاد الروسي بخصوص خفض التصعيد وإنهاء الإرهاب.
وعلى الرغم من إعطاء الاتحاد الروسي لأردوغان الفرصة تلو الفرصة واصل هذا الأخير اللعب على أكثر من حبل حتى وصل به الأمر إلى التدخل في ليبيا دعماً لجماعة «الإخوان المسلمين» وخروجاً على ما تمّ التداول فيه مع الاتحاد الروسي، ومن المعروف أن الاتحاد الروسي قد تمّ خذلانه من قبل حلف الأطلسي عندما غزا ليبيا وقام بتصفية القذافي دون أخذ الأفكار الروسية بالحسبان، وبعد الذي حصل لن تسمح روسيا بأن تُعاد الكرّة في ليبيا مهما بلغت سياسات الغطرسة من عنجهية.
وفي نهاية المساعي الروسية مع أردوغان للوصول معه إلى أسلوب عمل واحد ضد الإرهاب كان اتفاق سوتشي في أيلول 2018م وما تعهّد به أردوغان في منطقة خفض التصعيد في إدلب أن ينزع من المجموعات الإرهابية سلاحها الثقيل، وأن يلزمها بالفرز بين من صنّفتهم الأمم المتحدة بأنهم إرهابيون وبين من تطلق عليهم تسمية «معارضة»، وأن تتهيّأ ظروف إدلب إلى التحرير من كافة صنوف الإرهاب لكي تعود الدولة السورية إلى بسط سيطرتها على كامل الرقعة الجغرافية السورية المعروفة لدى المجتمع الدولي.
وفي سوتشي أكد أردوغان التزامه بوحدة الأراضي السورية، وبسيادة الدولة الشرعية على أراضيها، وبحقّها في مقاومة الإرهاب التكفيري، ومع ذلك ضيّع أردوغان الوقت بالتحايل على القرارات في «آستنة وسوتشي» وأثبت للطرفين الإيراني والروسي عدم مصداقيته فيما عاهد عليه ووقع القرارات فيه.
وها هو اليوم حين ينفذ الأجندة الأميركية والصهيونية في عدم السماح للجيش العربي السوري وحلفائه بتحرير إدلب من الإرهابيين، ويعمل على فرض هدنة دائمة في إدلب تكون بها حالة احتلال إرهابي تركي إلى زمن غير محدّد، فهل يتفق هذا الزعم مع ما وافق عليه في سوتشي؟ وحين لا يريد إنهاء الحالة الإرهابية تنفيذاً للأجندة الأميركية والصهيونية فهل هذا من مقتضيات شراكته في مجموعة الدول الضامنة؟! والأدهى من هذا حين تتكرر تصريحاته بأنه لن يغادر إدلب، وسيُرجع الجيش العربي السوري وحلفاءه إلى المناطق التي انطلقوا منها باتجاه تحرير إدلب، فماذا يعني هذا الضرب من الجنون؟! ومن المعلوم أن وفداً من قبله قد زار موسكو وعاد بحقيقة إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تخليص إدلب من الإرهاب، وعدم منح الإرهاب المهزوم هدنة حتى يلتقط أنفاسه.
ورغم ذلك يعلو صراخ أردوغان لكي تعقد قمة رباعية (روسيا، تركيا، ألمانيا، فرنسا) لعلها تساعده في عملية النزول عن الشجرة، وحين لم تعلن الجهات الأوروبية الأطلسية موافقتها بَعْدُ على انعقاد رباعية يُباشر أردوغان إبداء رغبة جديدة بلقاء الرئيس بوتين حتى يأخذ منه ذريعة الخروج من إدلب، باعتباره دخل بأوامر أميركية صهيونية ولا بد من مؤشر جديد يساعده على الخروج في الوقت الذي يتضح للحلف المعادي لسورية بأن التنسيق مشتركٌ بين سورية وروسيا على تنفيذ ما تمّ التوافق عليه في سوتشي بالقوة وبوقائع الميدان، لأن حماية الإرهابيين لا تتفق مع القانون الدولي، وما نصّت عليه مواثيق الأمم المتحدة والقرارات التي اتخذها مجلس الأمن، وما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في القمة 43 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف.
وقد أوضح لافروف في هذا الاجتماع العزم الروسي على ضرورة القضاء على الإرهاب في إدلب، وبناءً عليه فإن كافة محاولات أردوغان لحماية الإرهابيين في إدلب ستبوء بالفشل وستتكسر أحلامه فيها كما تكسّرت في شرق حلب، وكان السيد الرئيس بشار الأسد قد صرّح يومها أي قبل الشروع بتحرير شرق حلب بأن أحلام أردوغان ستتكسر فيها، ومَنْ هُزم في حلب سيهزم عما قريب في إدلب، وعلى كل رقعة سورية يتواجد فيها مرتزقة له كالذين قطعوا مياه الشرب عن الحسكة وتل تمر، وسيعلم المتغطرسون أي منقلب ينقلبون؟!.
بقلم: د. فايز عز الدين
التاريخ: الأثنين 2 – 3 – 2020
رقم العدد : 17206