المســــتجدات العلميـــــة لأمـــــــراض الأورام ..95% نسبة الشفاء من التهاب الكبد c .. ومشـــروع وطنـــي ضـــد التلاســــيميا
لا مكان للاستسلام أمام الأمراض الخطيرة، وتعافي القطاع الصحي في سورية لا يشمل إعادة تأهيل مؤسساته المتضررة فقط، بل يركز على بناء قدرات كوادره من جديد، وهذا ما تبرزه الأبحاث التي طرحت مستجدات عالمية طبية في مختلف الاختصاصات، فضلاً عن خبرات ودراسات محلية للأطباء السوريين خلال أيام صحة دمشق التي أنهت أعمالها مؤخراً، الأمر الذي يغني معلومات الممارسين ولا سيما الجدد وينعكس على سوية الخدمة الطبية المقدمة للمرضى، صحيفة الثورة حصدت مقتطفات علمية وطبية حول آخر ما توصلت إليه الأبحاث في بعض الأمراض الخطيرة.. وكيف يبدو واقعها الحالي؟
بدد الدكتور محمد العواد اختصاصي معالجة شعاعية في الأورام والمشرف الإداري والطبي لمشفى البيروني في قسم المزة، بدد المخاوف التي تشاع بين الناس حول مخاطر العلاجات الشعاعية، مبيناً أهميته في العلاج والاستطباب الطبي لمختلف الأورام على اختلاف إصابات الجسم وأجهزته، إما أن يأخذه المريض كعلاج متمم بعد الانتهاء من الجراحة المثالية أو يكون علاجاً مباشراً ونهائياً في بعض الحالات غير قابلة للعمل الجراحي، موضحاً أن الخيار في المعالجة الشعاعية هو الخيار الثاني المثالي في حال عدم القدرة على الاستئصال، لكنه يعتبر علاجاً تلطيفياً في حال كان المريض يعاني من وجود أورام في أكثر من مكان أي مع وجود النقائل.
وأكد أن العلاج الشعاعي آمن ليس له أي تأثيرات سمية على الأنسجة المجاورة أو على بقية خلايا الجسم، أما بخصوص فائدته للمصابين بسرطان الدم فهو يشكل استطبابات معينة قد تكون وقائية، ولكن ليس بالمراحل المبكرة، فالحل هنا يكون بالعلاج الدوائي والجرعات الكيماوية لإيقاف تطور المرض بشكل أساسي.
18 ساعة في اليوم
بالنسبة لواقع العلاج الشعاعي والأسباب الكامنة وراء انتظار المريض لدوره لفترة قد تصل لأكثر من شهر؟ أشار إلى وجود عدة مراكز للمعالجة الشعاعية في المشافي التابعة لوزارة التعليم العالي، مثل مشفى البيروني والمشفى الجامعي باللاذقية، وهناك عدة طرق لتقديم هذا العلاج، من خلال 4 أجهزة موجودة في مشفى البيروني بقسم المزة بالإضافة لجهاز خاص بالمسرع الخطي الذي يعتبر من أحدث التقنيات في المعالجة الشعاعية، و4 أجهزة كوبيل، ولكن بالمقابل يوجد عدد هائل من المرضى المحتاجين للعلاج الشعاعي وهناك ضغط كبير على هذه الأقسام، التي تعمل بطاقة استيعابية كبيرة جداً من خلال تكثيف الجهود والكوادر التي تعمل وفقاً لنظام الفترات بشكل مستمر من التاسعة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، أي ما يعادل 18 ساعة في اليوم، ومع ذلك فإن مشكلة الانتظار تعود لوجود مركزين فقط يعملان لتغطية كل المحافظات.
نقلة نوعية
تتعدد العلاجات المقدمة لمرضى السرطان مؤخراً، فقد أشار الدكتور ماهر سلمون اختصاصي أمراض الدم وزرع النقي في مشفى البيروني الجامعي، إلى الفرق بين العلاج الكيماوي والعلاجات الأخرى، وكيفية استهداف الجرعة الكيماوية الخلايا المريضة وبطريقها تقتل الخلايا السليمة مثل خلايا الدم وخلايا الغشاء المخاطي، بينما يعمل العلاج الهدفي على استهداف الخلية المصابة من خلال استهداف جينة معينة متواجدة على سطحها، دون أن يؤثر بالخلايا السليمة، في حين يتركز العلاج المناعي على إعطاء المريض أدوية مناعية تساعد الجسم على محاربة الأورام، وهو علاج يحرر مناعة الجسم التي سببها اللمفاويات التائية من الكبح الموجود لديها وتهاجم الورم، لافتاً إلى أن هذا العلاج متوافر في سورية ويقدم للمرضى بحالات معينة إذ لا يستطيع جميع المرضى الحصول عليه، فهناك فحوصات جينية وتلوين مناعي، أي يجب وجود مبرر علمي لتقديم هذا الدواء لأنه لا يفيد جميع المرضى.
وأوضح خلال بحثه ماهية ورم غشاء الجنب الذي يعتبر ورماً ورقياً، يغلف الرئة وجدار الصدر، وفي حال كان كبيراً فقد يؤدي إلى إغلاق الرئة، كما أن وجوده قد يؤدي إلى تخفيف الأكسجة، والعلاج بالنسبة لهذا النوع من الإصابات السرطانية محدود مهما كان نوع العلاج المقدم (كيماوي أو هدفي) وهي من الأورام التي مازالت قيد الدراسة وتأخذ طريقاً طويلاً للتعافي منها.
وأشار سلمون إلى العلاج الهدفي كأكثر أنواع العلاجات التي أثبتت جدارتها في أمراض السرطان، وخاصة بعض أمراض الدم، وفي معالجة أورام الثدي حيث ارتفعت معدلات الشفاء، وكان سبباً في حدوث نقلة نوعية في إطالة أمد الحياة، وعلى الرغم من أن تكلفته عالية جداً إلا أن الحكومة تؤمنه لجميع المرضى، كما تؤمن جميع هذه الأدوية والعلاجات السرطانية الأخرى بشكل مجاني.
رديف للعلاجات الأخرى
حملت السنوات العشرة الأخيرة حديثاً مطولاً حول العلاج المناعي كحل أفضل من العلاجات الأخرى للأمراض السرطانية، فقد أكد الدكتور نضال خضر رئيس قسم الأورام وسرطانات الدم في مشفى ابن النفيس بدمشق: أن هناك ملاحظتين عن هذا العلاج من الناحية السريرية، الأولى أن نسبة الاستجابة له ولو كانت قليلة، فهي تدوم لفترة طويلة على خلاف العلاجات التقليدية، وفي بداية العلاج يمكن للورم أن يكبر بشكل كاذب بسبب حدوث العملية الالتهابية، إلا أنه بعد فترة زمنية يأخذ تأثيره الإيجابي. والثانية أن التأثيرات الجانبية للعلاج المناعي على الرغم من أنها تبدو كثيرة مثل البهاق أو قصور الدرق أو التهاب القولون والتهاب الكبد المناعي، والتهاب المفاصل، إلا أن معظم هذه التأثيرات الشديدة نسبتها عند المرضى قليلة قياسا بالعلاج الكيماوي.
وتطرق لمستوى الدقة والمعرفة التي وصل إليها الأطباء في سورية في استخدام العلاج المناعي بفضل تدربهم على آلية تدبير التأثيرات الجانبية والتخفيف منها ومعرفة أسباب حدوثها، لافتاً إلى أن العلاج المناعي علاج واعد وإن كان لا يحل محل العلاجات الأخرى لكنه يشكل رديفاً لها.
علاجات حديثة
الدكتورة غادة سوسان رئيسة شعبة أورام الأطفال في مشفى البيروني الجامعي تحدثت عن آخر العلاجات المتعلقة بالتهاب الكبد c عند الأطفال وعلاجه بأحد المضادات الفيروسية الحديثة جداً ضمن الشعبة أثناء تلقي العلاج الكيماوي، مشيرة إلى وجود علاقة مباشرة بين المرضين، إذ إن التهاب الكبد c ينتقل عن طريق نقل الدم والإجراءات الغازية أو الجراحية في حال كانت الأدوات ملوثة مسبقاً
وبينت سوسان أن وجود آفة سرطانية مع التهاب الكبد c مشكلة شائعة في حال ارتفاع الخمائر الكبدية، حيث يصعب على الطبيب تقديم المعالجة الكيماوية، لهذا فإن العلاجات القديمة كانت تتداخل بشكل كبير مع العلاجات الكيماوية ، بينما العلاج الحديث ساهم بشكل كبير لعودة الخمائر بشكل سريع وإمكانية متابعة العلاج الورمي بأمان وبتداخلات قليلة.
ولفتت رئيسة الشعبة إلى أن عدد الأطفال المصابين بالتهاب الكبد c ضمن شعبة الأورام لدينا هم ثمانية مصابين، من بين 207 أطفال مرضى سرطان، بينما تقدر نسبة الإصابة بالتهاب الكبد ضمن سورية وفقاً للإحصائيات الوطنية لهذا الموضوع بحوالي 3.3% في ثلاث محافظات، أما العلاج فقد كان قديماً صعباً بعض الشيء وتقدر نسبة الاستجابة له فقط 70% من الحالات مع وجود نكوس، ولكن مع العلاجات الحديثة تصل نسبة الاستجابة للشفاء إلى 95%.
75 مريضاً كل يوم
وضعت وزارة الصحة مشروعاً وطنياً للحد من ولادات مرضى التلاسيميا وأكد الدكتور ياسر مخللاتي مدير قسم التلاسيميا في مركز العيادات بدمشق: أن مهمة المشروع معالجة المرضى ووضع حد لولادات جديدة تعاني من التلاسيميا وذلك من خلال تضافر الجهود بين وزارة الصحة وعدد من الوزارات الأخرى المعنية بهدف نشر الوعي الصحي وثقافة الحماية من الإصابة والتأكيد على فحوصات ما قبل الزواج والقيام بمسوحات لأطفال المدارس من عمر دخولهم إلى الصف الأول بحيث يصبح للطفل بطاقة خاصة به أشبه ببطاقة اللقاح وتكون بمثابة هوية صحية.
وأشار إلى وجود لجنة وطنية للتلاسيميا تضم أطياف الوزارات كلها كخطوة أولى للوصول إلى سورية خالية من التلاسيميا، مؤكداً أن الخدمات المجانية يقدمها مركز التلاسيميا بدمشق لأكثر من 2000 طفل مصاب، أي بمعدل 75 طفلاً في اليوم، من نقل دم ودعم الحديد وتحويل المرضى المحتاجين إلى استئصال الطحال إلى مشافي الدولة.
ولفت رئيس المركز إلى أن الأدوية متوافرة بالمجان، على الرغم من تكلفتها الكبيرة والتي تصل بأدنى حالتها إلى مليون ليرة لكل طفل مصاب بحسب احصائيات عام 2019، منوهاً بأن بنوك الدم لا تقصر في تقديم حاجة المركز، إضافة لما تقوم به الجمعيات من حملات تبرع بالدم لصالح مرضى التلاسيميا.
العلاج الشافي
ويصل عدد مرضى التلاسيميا المسجلين بالمراكز على مستوى القطر إلى 4000 مريض بحسب إحصائيات عام 2019 مع وجود بعض المراكز التي أصبحت خلال الحرب غير مفعلة، وأوضح الدكتور مخللاتي أن زرع نقي العظم هو العلاج الشافي لهذا المرض، وعليه بدأ التعاون بين عدة وزارات لتطبيق هذا العلاج، بحيث تكون الخطوة الأولى لمرضى الأورام ثم تليها خطوة العلاج بالزرع لمرضى التلاسيميا.
ميساء الجردي
التاريخ: الجمعة 13-3-2020
الرقم: 17216