عندما ظهر ما يسمى التعليم عن بعد منذ عقود من الزمن كان رديفاً للآخر الأساسي في المدارس، والجامعات، وداعماً له، وقد تزامن مع شيوع استخدام شبكة المعلومات.. وظهر هناك بالتالي ما يتصل بتقنيات التواصل في هذا المجال كالتعليم المستمر، وما هو عبر (الإنترنيت) أي الإلكتروني الذي يكون داخل الصف الدراسي بحضور المعلم.
وما يهم من هذا الأمر ليس التسميات، أو التقنيات، وإنما كسر نمطية أساليب التعليم، وابتكار ما هو جديد يتناسب مع معطيات العصر وما توفره من تسهيلات تجعل من التعلم أمراً أكثر جاذبية، وتفاعلاً، وسهولة، وفائدة بالتالي.. وتجعل منه مستمراً، ومتاحاً لكل من يرغب في أي وقت.. ولا يهم عندئذ أن يُسأل الطالب عن عمره، أو ما سبق أن ناله من شهادات لينتظم حسبهما في صفوف الدراسة.. بل إنه فضاء مفتوح تتعدد فيه الاختصاصات، وكل فروع العلم.
وحتى قبل أيام قليلة كان التعليم عن بعد يتمتع بهامش من مرونة الاختيار بين مَنْ يرغب، ومَنْ يتوقف.. وبين مَنْ يفضل صفوف المدارس ولو اكتظت بالتلاميذ، ومَنْ يفضل تلقي الدروس عبر شاشة صغيرة تقبع في زاوية من المنزل.. إلا أنه الآن أصبحت هذه الوسيلة للتعليم بديلاً مهماً، وأمراً إسعافياً فيه الوقاية، والحماية، حتى لا يتأخر الطلبة أكثر مما ينبغي عن تحصيل منهاجهم خلال هذا العام الدراسي مع إقفال أبواب المدارس في أغلب دول العالم كإجراء احترازي لمدة مجهولة بسبب الوباء الطارئ حرصاً من الدول على سلامة أبنائها.
وإذا كان لبعض المدرسين اعتراض على التعليم عن بعد بحجة ضرورة التفاعل وجهاً لوجه مع الطلبة، فإن هذا النمط الحديث من التدريس غير المباشر كبديل من صفوف دراسية يتزاحم فيها التلاميذ على مقاعد الصف الواحد، إنما يعد بالكثير فهو إضافة إلى عدم اقتصاره على مكان بعينه فإن بإمكانه أن يصل إلى أي بقعة من العالم، ولا ينتقص من إمكاناته في التواصل المباشر بين الطالب والمدرس مادامت الكاميرات الموصولة بالحواسيب تسعف في تحقيق المحادثات المتلفزة.
ولعل ضرورة التعليم عن بعد ضمن ظروف عالمية استثنائية ستنعش هذا الحقل من جديد، وتجعل منه الخيار الأمثل، كما تجعل مَن لم يسبق له اختبار التجربة أن يفعل، ولعلها ستكون فرصة لإعادة النظر في أساليب التعليم التقليدي في كثير من البلدان بحيث يندمج ما هو عن بعد مع ما هو عن قرب، أو يصبح الاعتماد عليه بشكل أكبر مادامت هذه الوسائل المعاصرة ذات إمكانات كبيرة تستطيع أن تهزم أحوال غير متوقعة.
وإذا كانت وسائل التعليم هذه ستلقى منا الحماسة فذلك لأنها تدفع طالب العلم لأن يكون أكثر اعتماداً على نفسه، واستخداماً لقدراته في البحث، وتقصي المعارف، والمعلومات بينما سهولة الوصول إليها أكيدة وهي تتجاوز ما تنطوي عليه كتب المناهج.. ولأنها أيضاً تحقق ذلك التواصل المثمر بين طلبة العلم على طرفي الشبكة على منصة الاختصاص الواحد، بما يخلق حالة تنافس إيجابي.
إنه تعليم مرن يوفر للطالب كل التسهيلات التي يحلم بها من اختيار الوقت المناسب، ومادة الدرس، والمكان المريح.. ويوفر على الدول والأسر الكثير من النفقات بينما يحظى الأبناء بتعليم يكاد يكون مجانياً وصولاً إلى آخر المراحل، والدرجات.
تعليم عن بعد، أو علم بلا انقطاع لعله يتقدم مستقبلاً بعد انتهاء الظروف الاستثنائية التي اجتاحت العالم ليكون أكثر من رديف، بل أساس في التعليم متفوقاً بذلك على الآخر التقليدي القديم الذي تحده جدران الفصول، بل بديل منه.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 20-3-2020
الرقم: 17221