عبد الرحيم أحمد
كثيرة هي النظريات التي تحدثت عن أسباب تفشي فايروس كورونا في العالم، بعضها اتهم الولايات المتحدة وأخرى تحدثت عن طفرة في المختبرات خرجت عن السيطرة، لكن أياً تكن تلك النظريات وبغض النظر عن دقتها من عدمه، فإن تفشي الفيروس قسم العالم إلى قسمين وأظهر حقيقة الدول وكشف زيف الادعاءات الإنسانية لدى الدول الغربية.
قبل كورونا كان وباء الإرهاب، وهو الآخر قسم العالم إلى فريقين: فريق داعم للإرهاب مستثمر فيه، وآخر يدفع الدماء في محاربته والقضاء عليه، وفي كلا الحالتين كان الفريق المستثمر للإرهاب وفيروس كورونا واحد.
فالولايات المتحدة التي اتهمت الصين بالمسؤولية عن تفشي الفيروس سارعت فور انتشاره على أراضيها لإغلاق حدودها مع العالم الخارجي ومحاولة احتكار براءة اختراع لقاح الفيروس عبر شرائه من خبراء ألمان، لترد عليها برلين أن ألمانيا ليست للبيع.
ولم تكتف واشنطن بذلك، بل رفضت رفع العقوبات الاقتصادية الجائرة عن الدول التي تواجه تفشي الفيروس كإيران، حيث وقفت في صف الفيروس ومنعت وصول امدادات الدواء والتجهيزات الطبية إليها عبر فرضها على دول الناتو هنغاريا وبلغاريا ايقاف قافلة مواد وتجهيزات طبية متجهة إلى طهران.
الدول الغربية مزقت كل أقنعتها الإنسانية التي تخفت خلفها طيلة عقود ماضية، وكشفت عن بشاعة حقيقتها وأنانيتها المفرطة، فبولندا أغلقت أجواءها أمام طائرات شحن روسية تقل مساعدات طبية ومعدات وتجهيزات تعقيم وكوادر طبية متجهة إلى إيطاليا للمساعدة في مواجهة تفشي الفايروس الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص حتى الآن ويهدد بالمزيد.
الاستثمار السياسي لمصائب الآخرين سمة من سمات الغرب المتوحش، وها هو الرئيس الصربي يؤكد أن التضامن الأوروبي في زمن الأزمات حبر على ورق، وأن الاتحاد أدار ظهره لبلاده عند الحاجة، ليناشد الصين مد يد العون لمواجهة هذا الوباء المتسارع.
مقابل فريق الكورونا السياسي الغربي، ظهر فريق آخر يعتبر قضية الإنسان أينما كان قضية واحدة، فحرك كوادره الطبية ومختبراته لمواجهة وباء العصر عدو البشرية كما وصفته منظمة الصحة العالمية، فطارت الكوادر الطبية من كوبا إلى نحو 40 بلداً ومن الصين أقلعت طائرات بمعدات وكوادر طبية معلنة انتصار الإنسان للإنسان.
مع كل أزمة عالمية سواء كانت صحية أم اقتصادية أم سياسية، تنبري الدول الاستعمارية إلى استغلالها خدمة لمصالحها الذاتية ولو على حساب دماء الشعوب وأمنهم ولقمة عيشهم، لدرجة ينكشف معها مدى ارتباط تلك الدول بهذه الأزمات ومسؤوليتها المباشرة عن تصنيعها أو التسبب بها.
هذه الحقيقة تؤكد أنه رغم مخاطر هذا الوباء العالمي الكبيرة جداً، فإن الخطر الأكبر يكمن في سياسات الدول الاستعمارية التي تحيكها على مقاس شركاتها ومؤسساتها دون مبالاة بصحة الإنسان ومستقبله.