صفقة ترامب نتنياهو

د. خلف المفتاح- ثورة أون لاين:
لا يمكن الحديث عما سمي صفقة القرن إلا ضمن توصيفها الصحيح وهو أنها صفقة ترامب نتنياهو ولا يوجد فيها الطرف الأساسي الفلسطيني وهو صاحب الحق في الأرض والسيادة، ما يعني أننا أمام تسمية مضللة وكاذبة وليست ذات معنى من حيث الفاعلية أو الشرعية السياسية، علماً أنه وبالنظر لواقع الأمور نفذت عملياً قبل أن توضع على الورق من نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى محاولات التوطين في البلدان ومنع المساعدات عن الأونروا، وعدم اعتبار المستوطنات مخالفة للقانون الدولي.
إن منع المساعدت عن الأونروا يعني عدم الاعتراف بقضية اللاجئين.. وإغلاق مكتب المنظمة يعني عدم الاعتراف بممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وأنه من الناحية الواقعية صفقة ترامب نتنياهو تكرست على الواقع قبل الإفصاح عنها وإعلانها، وأنها صفقة بين اثنين لتحقيق مكاسب انتخابية حيث تتشابه القاعدة الانتخابية لكليهما ويعاني كل منهما من فضائح، فتصبح بهذا المعنى مخرجاً لهما وانتصاراً سياسياً إعلامياً يغطي على فضائحهما، إضافة -وهنا مكمن الخطورة- أن ما أقدما عليه يسعى لتكريس قاعدة أو سابقة تاريخية بأن ما يفرض بالقوة هو ما يجب الاعتراف به.. فالقوة هي الحق وهذا ما يتهدد الأمن الدولي.
وبالعودة لحيثيات الصفقة الواردة في حوالي ثمانين صفحة يلاحظ تبني أطرافها ما يمكن وصفه بالسردية التاريخية اليهودية بأرض إسرائيل المزعومة عبر استدعاء متخيل جماعي ديني يقصي أي وجود لأصحاب الأرض الحقيقيين، ويختصر تاريخ فلسطين الممتد لأكثر من سبعة آلاف سنة بفترة سيطرة اليهود على أجزاء منها وهو الذي لا يزيد في أحسن الأحوال عن أربعمئة سنة غير متصلة وغير متسمة بالاستقرار والثبات، بل إنها كانت دائماً فترة صراع ونزاع مع سكان المنطقة، أو في مواجهة مع قوى وشعوب متجذرة تاريخياً وحضارياً فيها.
إن توقيت الإعلان عن الصفقة يدل بشكل واضح على أن اليمين الاسرائيلي يعمل على استغلال وجود ترامب رئيساً ليكرس وقائع على الارض تتحول الى حقائق مع مرور الزمن، بحيث لا تستطيع اية ادارة قادمة سواء كانت جمهورية او ديمقراطية الخروج عليها، سيما وأن اغلب أعضاء الكونغرس الأميركي مؤيدين لها بحكم النفوذ الصهيوني في البنية الأميركية بمستوياتها الافقية والعمودية، ناهيك عن اللغة الوصائية للصفقة التي تعيد الى الاذهان لغة الاستعمار في القرن التاسع عشر تحت مسمى «تحضير الدول للاستقلال».. ففي كل الوثيقة لم ترد كلمة (احتلال) بل التأكيد على السردية اليهودية منذ قيام الكيان حتى الآن.
والإشارة إلى الأراضي المحتلة بعدوان حزيران عام 1967 تحت مسمى (رهينة للسلام) أي أراضٍ ممسوكه وليست محتلة، اضافة لاعتبار اليهود القادمين من الدول العربية لاجئين وان اسرائيل اعادت 88 بالمئة من اراضي 1967 ، منها سيناء وغزة، ويجب التعويض على اليهود الذين (لجؤوا) من الدول العربية، وكذلك التعويض عما سمي الأعباء التي ترتبت على اسرائيل من استيعابها لهم وتسميتهم باليهود الصاعدين اليها.
إن التفصيل في حيثياتها لا يجد فيه الباحث إلا مشروع تصفية ليس لفلسطين بوصفها أرضاً محتلة فحسب، بل تصفية الفلسطينيين أنفسهم كشعب ووجود حضاري وتاريخي والسعي لإدماجهم في مجتمعات ودول تجعل منهم رعايا وتوابع لا هوية ولا انتماء لهم، ما يعكس عنصرية مقيته ودرجة عالية من الكراهية والحقد.
إن الرد على صفقة ترامب نتنياهو يتم من خلال توحيد الساحة الفلسطينية القائم على ثوابت منظمة التحرير منذ انطلاقتها منتصف ستينيات القرن الماضي، والتمسك بمخرجات مؤتمر الجزائر حيث التأم الفلسطينيون عبر مؤتمر وطني تمثيلي.. وإنهاء ثنائية ضفة وغزة، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني وليس نزاع على الأرض مع الصهاينة، ما يكسبها رصيدا واسعا في كل دول العالم، او أنها صراع على سلطة لا تملك سيادة على ارض محررة.. فعند الحديث عن سلطة يجب الحديث عن دولة وأرض وشعب وسيادة وليس سلطة أشبه ما تكون رهينة بيد جهاز الأمن الاسرائيلي.. اضافة لإعادة الاعتبار للفعل المقاوم الذي يمثل العنصر الأهم والفاعل في مواجهة العدو الصهيوني الذي لا يعرف إلا لغة القوة، وهو ما أثبتته عقود من الصراع معه وفي مواجهته.
لقد ألغى الاسرائيليون عمليا اتفاقية أوسلو وهي الاتفاقية الأكثر سوءا حيث أطلقت يد أمريكا في ايجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية وهذا رهان خاسر، لجهة أن الولايات المتحدة الأميركية هي الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني وتناصب الفلسطينيين والعرب عموما عداء واضحا ومكشوفا، وتوفر المظلة السياسية لها في المحافل الدولية ما يجعلها أكثر تماديا في عدوانها على الشعب الفلسطيني وانتهاكا لحقوقه التاريخية والوطنية المعترف بها دوليا.
إن الرهان على جيل فلسطيني شاب مقاوم يعيد المشهد الفلسطيني إلى الواجهة بوصفه حركة تحرر وطني تواجه احتلالاً استيطانياً أعقب استعماراً كولونيالياً مثلته بريطانيا، يمارس كل أشكال العنف والإرهاب والسطو على الأرض والإنسان والتاريخ، هو رهان على إعادة البوصلة الفلسطينية إلى اتجاهها الصحيح، ويحد من موجة التطبيع التي لم يعد خطابها متعلقاً بواقعية سياسية بقدر ما هو تبنٍّ كامل للسردية التوراتية اليهودية بما سمي (حق الشعب اليهودي في ارض الميعاد) وهذا يترافق مع خطاب اسرائيلي ليس عن «دولة» يهودية فقط وإنما عن «دولة» قومية للشعب اليهودي في العالم، ما يعني من الناحية العملية أن الكيان الاسرائيلي اصبح كيانا ممتدا عابرا للحدود الجغرافية الى الحدود الجيوثقافية، وهذه مسألة غاية في الخطورة.

لتصلكم صورنا وأخبارنا بسرعة وسهولة انضموا لقناتنا على تيليغرام

https://t.me/thawraonlin

home

آخر الأخبار
مرحبة بقرار "الأوروبي" رفع العقوبات.. الخارجية: بداية فصل جديد في العلاقات السورية – الأوروبية روبيو يحثُّ الكونغرس على اتخاذ خطوات تشريعية لجذب الاستثمارات إلى سوريا الشيباني: قرار "الأوروبي" رفع العقوبات سيعزز الأمن والاستقرار والازدهار     في ذكرى رحيلها .. وردة الجزائرية أيقونة الفن العربي الأصيل الاتحاد الأوروبي يقرر رفع العقوبات عن سوريا.. د. محمد لـ "الثورة": انتعاش اقتصادي مرتقب وتحولات جيو... دمشق  عمرانياً  في  تشريح  واقعها   التخطيطي  السلطة  السياسية  استبدت  بتخطيط   خرب   هوية   المدين... رش المبيدات الحشرية مستمر في أحياء دمشق  مجلس تنسيق أعلى سوري – أردني..الشيباني: علاقاتنا تبشر بالازدهار .. الصفدي: نتشاطر التحديات والفرص  مشروع استجرار مياه الفرات إلى حسياء الصناعية للواجهة مجدداً  شحنة أدوية ومستلزمات طبية من "سانت يجيديو" السورية للتجارة تتريث في استثمار صالاتها  أسعار السيارات تتهاوى.. 80 بالمئة نسبة انخفاضها في اللاذقية .. د. ديروان لـ"الثورة": انعكاس لتحرير ا... الفواكه الصيفية ..مذاق لذيذ بسعر غال..خبير لـ"الثورة": تصديرها يؤثر على أسعارها والتكاليف غالية   لقاح الحجاج متوفر في صحة درعا  إصلاح خط الكهرباء الواصل بين محطتي الشيخ مسكين – الكسوة تطوير المهارات للتعامل مع الناجين من الاحتجاز القسري  تحديات صحية في ظل أزمات المياه والصرف الصحي.. "الصحة " الترصد الروتيني ونظام الإنذار المبكر لم يسجل... مدير تربية اللاذقية: أجواء امتحانية هادئة "فجر الحرية".. 70عملاً فنياً لطلاب الفنون بدرعا مبادرة أهلية بحماة لترميم مدرسة عبد العال السلوم