مصطفى المقداد- ثورة أون لاين:
يتوسع انتشار فيروس كورونا ليطول كل الدول تقريباً، فيما تتباين التحليلات والروايات التي تحدد أصله ومنشأه وطريقة انتقاله والعدوى التي يسببها وآليات مواجهته وإمكانية وجود لقاح أو دواء ناجع له، سواء كان مبعثه طبيعياً أو مصنعاً ضمن سلسلة مؤامراتية محتملة، أو نتيجة تجارب تفلتت نتائجها من أيدي العلماء، أو كانت انتشاراً طبيعياً لفيروس متطور وصل إلى مرحلة استطاع معها أن يهدد البشرية كلها، لتعجز معها كل الإمكانيات العلمية والبحثية عن اللحاق بمخاطره والحد منها، أو القضاء عليها.
وإذ يقارن المرء الأمر بالعديد من الأمراض السارية والجوائح التي شهدتها البشرية كالطاعون والبلهارسيا والجدري والسل وجنون البقر والسارس وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها، فإنه يتوقف عند فيروس كورونا كجائحة غير مسبوقة في جميع أبعادها، فهي قد تجاوزت الحالة الصحية باعتبارها مرضاً سارياً معدياً لتشكل حالة اجتماعية واقتصادية وقد تتعدى ذلك لتصبح حالة سياسية قد تضع الأسس القاعدية لعلاقات دولية بدأت تلوح مقدماتها في الكثير من المظاهر والمواقف الدولية الماضية في مسار يخالف كل النظريات الغربية التي تم التركيز عليها خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
ومنذ أن أنزل مواطن إيطالي علم الاتحاد الأوروبي ورفع علم جمهورية الصين الشعبية مكانه، بدأ الحديث يأخذ منحى جديداً لوضع كيانات سياسية غربية بدت وكأنها ثابتة أمام أي تحديات محتملة، بينما أظهرت مواجهة كورونا خلاف تلك النظرة التقليدية القائلة بارتباط الغرب الاستعماري بعوامل عصية على التفكك تتبع كلها للولايات المتحدة الأميركية.
لم يمض وقت طويل لتدير الولايات المتحدة الأميركية ظهرها لجميع أصدقائها وحلفائها ممن يحتاجون دعمها ومساعدتها في التصدي لجائحة كورونا، فتخلت عنهم كلياً ليظهر في المقابل الدعم الصيني والروسي بشكل خاص لكل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.. ولا شك أنه سيتوسع في حال احتاجت دول أوروبية أخرى لمساعدات في هذا المجال. وهنا تبدأ الحدود السياسية تأخذ أشكالاً جديدة قد تهدم كل البنى التي رافقت نهاية الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي تسقط فيه المقولات الأميركية الحاملة لمشروع العولمة في إلحاق العالم بالثقافة الأميركية باعتبارها الحالة المتقدمة للمشروع الليبرالي الذي يمثل نهاية التاريخ من خلال انتصاره كنموذج وحيد يحدد شكل ومسار التطور البشري والعلاقات السياسية بين الدول جميعها.
ويأتي اليوم كورونا كحدث غير متوقع في مسار المخططات الغربية كلها ليشكل نقطة انعطاف محتملة في صيرورة التاريخ البشري ومستقبل التاريخ السياسي العالمي. ونحن بانتظار تطورات تدعم أو تدحض رؤى كهذه لن يطول انتظارها.
السابق