تواجه شعوب العالم على وجه العموم تحديا غيرمسبوق ومعركة شرسة في مواجهة فيروس عرف اسمه وصفاته وأضراره ومضاعفاته وسرعة انتشاره ووقف امامه العالم حائرا عاجزا مصدوما وقد تكشفت عيوبه ونقاط ضعفه، واتجه البعض ساعيا لاستغلاله سياسيا من خلال التوظيف الانساني والعنصري احيانا، وعندما استشرى المرض وضرب بقوة واجتاح عقر دار المستغلين والعنصريين حيث اصابهم الرعب وارتبكوا وازدادوا هلعا فوجدوا انفسهم اضعف ما يكون، فتعالت دعوات حظر التجول والتزام البيوت وانتظار ما هو آت.
فكان ذلك الفيروس كاشفا فاضحا للعجز العالمي نتيجة انهيار الانظمة الصحية العالمية التي تآكلت بفعل الجشع العالمي الخالي من اية بنية صحية مجتمعية وظهر العوار والضعف والوهن للقوى العالمية الرأسمالية العظيمة ما قبل الكورونا، والعظمة بسكون الظاء وفتح الميم بعد كورونا.. فعدد الاصابات تجاوز المليون وسبعمئة ألف حتى كتابة هذه السطور، وضحاياه المئة الف حسب آخر الاحصائيات التي تتحرك كل دقيقة برقم تصاعدي حسب منظمة الصحة العالمية.
وقد برز دور بعض الدول في النجاح في مواجهته وتقديم المساعدات للدول التي تعاني من هذا الوباء حيث استطاعت الصين الشعبية احتواءه، علما انها تعرضت لهجمات اعلامية أميركية من كبير الملاكمين في الحلبة الدولية دونالد ترامب، مستغلا المأساة الانسانية، الا انها واجهت هذه المعركة الشرسة بثبات وصبر واجراءات فاقت كل تصور الى ان اعلنت انتصارها عليه بل وارسلت مساعدات طبية ودوائية الى العديد من الدول التي اجتاحها الفيروس.
وبدأت مرحلة جديدة عنوانها الصين الشعبية في حين تخلى الغرب الاميركي الاوروبي عن حلفائه الذين اصابهم الوباء كايطاليا وصربيا واسبانيا وسويسرا، واعتذروا عن تقديم المساعدات لضرورات حاجة دولهم لها، وقد وصلت المأساة في ايطاليا الى انهيار شبه كلي لمنظومتها الصحية لتأتيها المساعدات العاجلة من دول وصفت بالشمولية كالصين وكوبا وروسيا، وهي التي أسست تكاملها الصحي الاجتماعي بناء على مسؤولية الدولة عن المجتمع وعدم تركه فريسة لجشع القطاع الخاص الذي لا تعنيه، مثيرا تحصينات وحصانة المجتمع صحيا وتعليميا، فكانت نتيجة ذلك الوهن الشديد والضعف الكبير في اميركا واوروبا في البنية الاساسية لصحة المجتمع وتحصيناته، فأثبت ما بعد الفيروس هشاشة البنية الرأسمالية في هذا المجال .
إن المستجدات لما بعد كورونا ستحدث بناء عليها تغييرات استراتيجية في العلاقات الدولية وربما على مستوى التحالفات السياسية، مرتكزها تصدر الصين عالميا وتعاظم دورها السياسي والاقتصادي والانساني وانفتاح دول الغرب على دول الشرق، ما يساهم في كسر الحصار على روسيا الاتحادية وحلفائها مع توسع نفوذها السياسي، وارهاصات اولى لنظام دولي جديد لن تكون اجندته عسكرية، وانما اجتماعية بنائية تركز على الصحة العامة الدولية ونظافة البيئة ومؤتمرات حقيقية وفاعلة للحفاظ على المناخ وسلامة الكوكب الصغير، والصداقة مع الطبيعة والقناعة بصعوبة السيطرة عليها، حيث ثبت أن للطبيعة ادواتها واسلحتها التي تشهرها في وجه من اعتقدوا انهم اصبحوا بفضل امتلاك التقانة المتقدمة قادرين على السيطرة على الطبيعة وتطويعها بما يخدم تغول الفكرة المادية على الفكرة الانسانية ووهج المال على وهج القيم الانسانية والدينية، حيث شكل الفيروس صدمة لحضارة اعتقدت خاطئة انها قادرة على كل شيء.
إضاءات- د. خلف المفتاح