ثورة أون لاين- عبد الحليم سعود:
يعتبر الاحتلال العسكري لأي أرض بنظر القانون الدولي سلطة طارئة أو حالة مؤقتة، ووفق هذا التوصيف يقع على الاحتلال مسؤولية حماية المدنيين في هذه الأرض من أي أذى أو ضرر يمكن أن يلحق بهم في كل الظروف.
كما أن القانون الدولي يعترف في الوقت ذاته لسورية السلطة صاحبة السيادة الشرعية على هذه الأرض بحقها في استعادة أرضها المحتلة بكل الوسائل المتاحة والممكنة بما فيها المقاومة.
ويستدل من مواد القانون الدولي الخاصة بالاحتلال العسكري أنه لا يحق لهذا الاحتلال نقل أي حق من حقوق السيادة على هذه الأرض أو على ساكنيها “أصحاب الأرض الشرعيين” إلى سلطاته، ما يعني بقاء السيادة الشرعية عليها للدولة الأم، على أن تكون السلطة الفعلية المؤقتة “سلطة الأمر الواقع” للمحتل، دون أن يحق له أو لحكومته المدنية ضم هذه الأرض إلى سلطتها القانونية أو إقامة حكم مدني عليها، ما يعني بصورة لا لبس فيها أنه لا يجوز للمحتل حكم هذه المنطقة بل إدارتها فقط.
تنطبق هذه المسلمات القانونية الواردة في القانون الدولي على الاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية، ولسنا في صدد الحديث هنا عن الانتهاكات اليومية التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي بحق القانون الدولي وبحق أهالي الجولان، من اعتقالات واعتداءات وجرائم وسرقة ونهب ثروات باطنية ومصادرة مياه سطحية وجوفية وتحويلها وتصريفها باتجاه مشاريعه الاستيطانية والزراعية في الجولان المحتل وفي فلسطين المحتلة أيضا، ولا الحديث عن محاولاته اليائسة مستعيناً بالولايات المتحدة الأميركية لفرض سلطته أو سيادته “الشرعية” على الجولان المحتل ومن ثم محاولة استخلاص اعتراف دولي ب”شرعية” احتلاله البغيض، وإنما سنكتفي فقط بقضية إنسانية طرأت في الأشهر الأخيرة وعرّت الاحتلال وفضحت عنصريته وانتهاكه للقانون الدولي وعدم اكتراثه بحياة المدنيين الواقعين تحت سلطته العسكرية، حيث ساهم وباء كورونا الذي يجتاح العالم في هذه الأيام بكشف هذا الجانب المظلم من سياسة الاحتلال ــ وكل جوانب الاحتلال المظلمة ــ بحق أهلنا المناضلين في الجولان العربي السوري المحتل.
فقد تفشى الوباء في جزء كبير من المجتمع الصهيوني، حيث يشهد الكيان لغطاً متزايداً بسبب بطء بعض اليهود المتشددين في تنفيذ التدابير الحكومية التي تستهدف الحدّ من تفشّي الفيروس، الأمر الذي وسع دائرة الوباء ليشمل آلاف الإصابات إضافة لحدوث عشرات الوفيات، وثمة توقعات بأن يرتفع العدد ضمن بيئة المتشددين، كونهم يعيشون ضمن عائلات كبرى في أحياء مزدحمة، ولأسباب دينية، يُحجم هؤلاء عن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي إلا في نطاق ضيق، مما يعني ضعف اطلاعهم على أخبار العالم الخارجي، كما لا تزال صلواتهم التلمودية تقام في تجمعات، كما أنهم مستمرون في احتفالاتهم الدينية وأعراسهم رغم الحظر المفروض.
وقد اعترفت سلطات الاحتلال بإصابة أكثر من عشرة آلاف مستوطن، ووفاة العشرات بسبب فيروس كورونا المستجد.
في حين فرضت السلطات الإسرائيلية إغلاقاً كاملاً على بلدة بني براك لليهود المتشددين، والتي تعد واحدة من بين أكثر الأحياء السكنية تسجيلاً للإصابة بالفيروس المستجد (كوفيد-19).
وقال مسؤول في وزارة الصحة التابعة للاحتلال إن الوباء “ربما أصاب 40 في المئة تقريباً من سكان البلدة”، البالغ عددهم 200 ألف نسمة.
ما يعنينا من هذه التطورات المخيفة ــ إذ لا شيء يمنع من انتشار الوباء بين جنود الاحتلال الذين يطبقون إجراءاته القمعية ضد أهلنا هناك ويحتكون بهم ــ هو سلامة أهلنا في الجولان المحتل، فقد أصيبت سيدة جولانية بالفيروس ويخشى من زيادة العدد بسبب عدم اكتراث سلطات الاحتلال بسلامة الجولانيين الذين يرفضون الاحتلال ويقاومونه بوسائل مختلفة، الأمر الذي يلزم الأمم المتحدة التي لا تعترف بشرعية الاحتلال بنقل صلاحية الإشراف على سلامة أهلنا في الجولان والإشراف على حمايتهم من الوباء إلى الدولة السورية صاحبة السيادة القانونية على أرضها المحتلة وفق القانون الدولي، بعد أن ثبت بالدليل القاطع وباعتراف منظمة الصحة العالمية بفعالية الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة السورية بحيث بقي عدد الإصابات بالفايروس القاتل بحدود ضيقة جداً بل هي من أدنى حالات الإصابة التي سجلتها منظمة الصحة العالمية في بقية دول العالم التي وصلها الوباء، ولذلك فإن أي انتشار للوباء في الجولان السوري المحتل ستتحمل مسؤوليته القانونية سلطات الاحتلال كونها لا تتوانى عن ارتكاب المجازر بحق أصحاب الأرض الشرعيين، ولا يوجد لديها أي وازع إنساني أو أخلاقي يمنعها من نقل الفيروس لمن تود طردهم من أرضهم وإحلال مستوطنيها مكانهم.