ثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
من جديد يحتدم الجدل حول رسالة الفن بشكل عام, والأدب بألوانه على وجه الخصوص, هل حان وقت عودة الفن ليكون رسالة تنوير ووعي وجمال؟
بل لماذا لم يعد في هذا المدى الجغرافي المسمى العالم الثالث, وتفاؤلاً العالم النامي, أسئلة لابد أن تطرح في ظل الظروف التي يمر بها العالم, والمتغيرات الثقافية والاجتماعية التي تترسخ لتكون هوية العصر, ولكن إلى متى لا أحد يعرف, فقد تطول مرحلة المخاض, وهنا نقطة الانطلاق: ما دور الأدب في هذا التحول؟ هل يقوده ويمضي معه, هل يواجهه كما حدث مع نهايات القرن العشرين؟
القضية ليست معقدة مع استقراء ما كان من نقاشات فكرية جرت خلال قرن من الزمن, طرحت خلالها آلاف المقولات عن وظيفة الأدب ودوره, عن الالتزام والإلزام والفرق بينهما, ويمكن القول بثقة: إن سلامة موسى في كتابه المهم الأدب في خدمة الشعب كان سباقاً إلى الحسم في هذا النقاش, فلا قيمة لأي إبداع عنده إذا كان خارج تنمية الذائقة الجمالية والإنسانية ولخدمة التقدم والتطور الخلاق.
وكما يقول أحد النقاد عنه: انتصر سلامة موسى في هذا الكتاب إلى ما سماه الأدب الجديد في مقابل الأدب القديم؛ لأنه يرى أن الأدب الجديد أصدق في التعبير عن مكنون النفس الإنسانية والضمير الشعبي، وعلى النقيض من ذلك، يرى الكاتب أنَّ الأدب القديم لا يزال يَرْسُفُ في قيود التقاليد البالية التي تعجز بدورها في التعبير عن الإنسان. ويوضح الكاتب من خلال هذا المُؤَلَّف الشروط التي يجب توافرها في الأدب والأديب حتى يمنحا نفسيهما للشعب؛ فهو يدعو في هذا الكتاب إلى أدبٍ ينطق بلسان الحال السياسية والاجتماعية التي يحياها الإنسان في كل زمانٍ ومكانٍ، وهذه الدعوة الحثيثة دفعته بدورها إلى التمييز بين الأدب القديم والأدب الحديث. ومَنْ يقرأ هذا الكتاب يجد أنَّ الكاتب قد عبَّر عن الدور الذي يلعبه الأدب اجتماعياً، وأدبياً، وفلسفياً، والذي انتهى فيه إلى ضرورة أن يكون شعبياً.
وعنه يقول الناقد شاكرفريد حسن:
كان سلامة موسى داعية للأدب الشعبي الملتزم بقضية التغيير ومؤمناً بدوره العظيم ووظيفته الاجتماعية في خدمة الشعب والحياة والمجتمع والتقدم والثورة الوطنية والاجتماعية وسخر من مقولتي “الأدب للأدب” و”الفن للفن” لأن غاية الثقافة التفاعل مع الحياة وسيرورتها وغاية المثقف تحويل همومه الذاتية إلى هموم إنسانية وعالمية، وواجبه تسخير قلمه وفكره في المعارك الشعبية والجماهيرية ضد القهر والفقر والظلم والاضطهاد القومي والطبقي.
وصفوة القول إن سلامة موسى من الشخصيات المهمة والغنية في الحياة الفكرية والثقافية العربية الحديثة وهو إنسان مثقف وعميق ومفكر شفاف أدهش الناس بحلمه الجميل وأصالته الملتزمة بالإنسان وجمع بين النبرة الفلسفية وسطوع الفكرة وعفوية التناول، وشغلته الهموم الشعبية المختلفة واهتم بالطبقات الشعبية الفقيرة والبائسة ولم يغمض عينيه عن القضايا الاجتماعية وحارب المفاهيم السلبية في المجتمع، ودعا إلى بناء العلاقات الإنسانية على قواعد وأسس سليمة خالية من المسلكيات الخاطئة، وحضّ على الحب والمودة والتكاتف والتكافل الاجتماعي وتحطيم قيود القهر والظلم، وعالج مختلف القضايا والموضوعات الاجتماعية والأدبية والفكرية ملتزماً بمنطلقات الفكر العلمي ووضوح رؤياه.
لم يكن موسى وحده من تعرض للهجوم من النقاد والمبدعين لمواقفه المهمة, بل تعرض آخرون ممن مهدوا الدرب للأدب الملتزم بكل تجلياته, ولكن شتان بين ما كان وما هو اليوم, ثمة عودة قد يرافقها ضجيج وصخب لكنها ستكون راسخة, فلا أدب دون مشروع جمالي تنويري, وإلا فسيكون حداثة سائلة مائعة, بمعنى آخر صف كلام وتهويمات لا معنى لها.