ثورة أون لاين- فؤاد مسعد:
يبدو أن الفرز بصورته العامة بين سوية الأعمال الدرامية المعروض في شهر رمضان الحالي كان واضحاً منذ الوهلة الأولى والتفاوت الكبير فيما بينها بدا جلياً عبر حلقات بدت في بعض الأعمال تستجدي المُشاهد للمتابعة بأية طريقة كانت وبأي ثمن ، ورغم أنه من المُبكر إطلاق حكم قيمة على المسلسلات ، إلا أن شح الأعمال الدرامية التلفزيونية وطبيعتها والبون الشاسع فيما بينها يفضي إلى رؤى أولية وملاحظات لا بد من إثارتها والحديث عنها ، مع الإشارة إلى أن عدد الأعمال السورية (المُنتجة حديثاً) والمعروضة على قناتي دراما والفضائية بلغ خمسة مسلسلات فقط ، يضاف إليها أعمال أخرى بعضها مؤجل من أعوام ماضية وأخرى سبق أن عُرِضت على قنوات مشفرة ، كما تم عرض عمل لبناني ومختارات من أجزاء (بقعة ضوء) .
المفارقة أنه خلال سنوات الحرب على سورية وفي وقت كانت قذائف الهاون تتساقط هنا وهناك واظبت شركات الإنتاج على تصوير أعمالها بإصرار وتحدٍ ، وعملت الدراما السورية في تلك الفترة على إثبات نفسها سنة بعد أخرى رغم كل ما رافق العملية الإنتاجية من صعوبات ، واليوم إن استثنينا بعض الأعمال عالية المستوى التي ظهر فيها التأني والإبداع بشكل جلي واستحقت أن تُطرح تحت عنوان (الدراما سورية) ، فهي أول سنة ضمن هذه الظروف التي تظهر عليها السوية العامة بهذا الشكل (كماً ونوعاً) ، وبدا الاستسهال واضحاً في العديد منها وخاصة تلك التي تنطّحت للكوميديا فجاء قسم منها ضحلاً حد السذاجة حتى على الصعيد الفني والتقني والمكياج .. ولدى العودة إلى الوراء قليلاً ولما قبل الحرب على سورية كان عدد الأعمال المنتجة سنويا ًيتجاوز الثلاثين عملاً ومن بينها عشرة أعمال (على الأقل) جيدة جداً ومنها أعمال متميزة ومتقدمة ، ولكن لأسباب كثيرة تراجع الـ (كم) وتراجع (النوع) .
والطامة أن هناك أعمالاً أعادتنا إلى المربع الأول من التعاطي مع الشريط التلفزيوني الدرامي ، فلدى الإشارة إليها لم نعد نستطيع مناقشة ما يمكن أن يحتويه النص من نضج وأفكار وتماسك في البنية ، كما لم نعد نستطيع مناقشة آلية التعامل مع الكاميرا وحركتها واختيار زوايا التصوير والدور الدرامية الذي يمكن أن تقدمه الإضاءة .. فهي أمور غدت بالنسبة إلى صانعي تلك الأعمال ضرباً من الرفاهية والترف ، واستعاضوا عنها بمجازر يقترفونها حتى على المستوى الفني والتقني ، فجاءت أعمالهم ضعيفة البنية أساسها الثرثرة وأحداث مفتعلة لا تمتلك القدرة على تحريك المياه الراكدة في نص فارغ المحتوى ، ولا تتعدى كونها مجرد استعراض باهت بعيد عن أي مُسمى درامي ، فوصل الاستسهال إلى المكان الذي فيه (اللا معنى) و (اللا هدف) وحتى (اللا إضحاك) ضمن العمل الكوميدي ، لأنهم هكذا يفهمون الدراما ويعملون فيها من مبدأ الاستسهال و (كله ماشي) ، المهم البيع بأي ثمن وما لم يُعرض على هذه المحطة يُعرض على أخرى تقبل به .
مثل هؤلاء غير أهل لإنجاز أعمال لائقة ، لذلك دائماً كان الاعتماد على المنتج المثقف الذي يحمل هماً حقيقياً ، ويمكنه إيجاد حالة من التوازن الراقي بين (الدراما كصناعة وتسويق وترويج) وبين (الدراما كإبداع وفكر وملامسة لهموم وقضايا الناس) .. مثل هذا المنتج يمكن أن يرتقي بسوية الدراما ، لا بل هو من يرفض التنازل عن السوية الفنية والإبداعية والتقنية لعمله لأنه في النهاية سيتم تسويق منتجه ضمن إطار الدراما السورية . وهو الأمر الذي وعى إليه مبدعون لا يتنازلون عن خيارهم الفني وحققوا هذا الموسم الدرامي أعمالاً شكلت (على قلّتها) خرقاً للسائد وانعاشاً لذاكرتنا بالمكانة الحقيقية للدراما السورية .