يبدو الأمر واضحاً من خلال الإجراءات الأخيرة أن الحكومة ماضية في الدفع باتجاه العودة إلى الحياة الطبيعية بصورة تدريجية، ولعل المهم هنا الاتفاق أن هذه العودة لا تعني أننا تخطينا أزمة كورونا إنما هي لتخفيف الآثار الاقتصادية السلبية التي سبّبها الحظر الجزئي، وهذا ما كان واضحاً في حديث السيد الرئيس بشار الأسد مع الفريق الحكومي المعني والإشارة بكل وضوح إلى أنه مع تراجع الوضع المعيشي للمواطن لن يكون قادراً على اتخاذ الإجراءات البسيطة لحماية نفسه وأنه يمكن الطلب من المواطن استخدام إجراءات وقاية ولكن لا إجراءات للوقاية من الجوع سوى العمل، لا سيما مع التحدي الاقتصادي بعد حرب مستمرة منذ أكثر من تسع سنوات وحصار جائر إضافة إلى من استغل هذه الجائحة من بعض الجشعين، وخلقوا حالة من الاحتكار.
الجميع يتحدث عن أهمية ضبط الأسواق وقمع المخالفات لكن هل تكفي تعاميم وزارة التجارة وحماية المستهلك وهل تكفي لجنة أو فريق عمل واحد، أم إن هناك إجراءات أخرى يجب أن تتوافر بالتوازي مع هذا العمل وفي مقدمة ذلك آليات العمل القادرة على إعادة الهيبة للأسواق ووفرة المواد والسلع الأساسية في مؤسسات التدخل الإيجابي.
أصحاب الشأن في وزارة التجارة وحماية المستهلك يناشدون المواطنين بالتعاون والإبلاغ عن أي حالة تلاعب بالأسعار أو الامتناع عن البيع من قبل أي بائع قد يتعرضون لها، وألا يخجلوا من الشكوى أو أن يشفقوا على من يسرقهم وأن أرقام الشكاوى معروفة والدوريات مناوبة ومستنفرة بينما يرى البعض، أن الإشكالية في أسلوب الرقابة عندما يتم الاعتماد على شكوى من المواطن في حين يفترض أن يذهب المراقب التمويني إلى المحال بصفة المستهلك، ولا يعرف عن نفسه لتجنب التلاعب بالأسعار وأن الرقابة يجب أن تكون حتى على المراقب نفسه.
لكن أصل الحكاية أن الرقابة التموينية فقدت هيبتها ولم يعد أحد يحسب لها حساباً بدليل أن هناك من أصبح يقول علناً هذه هي الأسعار ومن لا تعجبه ليذهب إلى التموين ويشتكي، ترى هل المشكلة هنا تقتصر على مخالفة الأسعار فقط أم إنها أخطر بكثير عندما تصبح ظاهرة بحد ذاتها عنوانها المخالفة والتجاوز والاستغلال، وعدم احترام الأنظمة والقوانين وعدم الخوف من أي محاسبة وأكثر من ذلك الهيبة المفقودة في الأسواق!. والسؤال الآخر: عندما لايشتكي المواطن هل يجوز أن تكون آلية العمل تعتمد على الشكوى فقط ؟!
و إذا كانت المقدمات الأولية المطلوبة من الدولة أن تقوم بكل ما يمكن أن يؤدي إلى خفض الأسعار من خلال المؤسسات الاقتصادية التابعة للقطاع العام، عبر توفير المواد والسلع الاساسية و ملاحقة المخالفين وتشديد العقوبات بحق المتلاعبين بموضوع الأسعار والفواتير والاتجار بالمواد المدعومة، إلا إن الجانب الأخر المهم في تحقيق الأهداف والنتائج لهذه المقدمات هو استجابة ووعي وتعاون المواطنين وأن يبدأ كل مواطن بنفسه على قاعدة أن تداعيات ما يحدث لجهة ارتفاع الأسعار وما يجب أن يقوم به يتصل بكل تفاصيل حياته المعيشية وأن تتوافر لدينا جميعا ثقافة تحمل المسؤولية، ومواجهة الممارسات الخاطئة أما أن نستمر في ظاهرة ترحيل المسؤوليات، فتقول المؤسسات المعنية أن المواطن لا يشتكي وفي نفس الوقت يرى المواطن أن ذلك مهمة هذه المؤسسات لوحدها فإن الوصول إلى النتائج والأهداف سيظل بعيداً عن المقدمات الجيدة والنوايا حتى إذا كانت حسنة.
الكنز – يونس خلف