لم تكن أميركا ولا الغرب ولا أتباعهم يتوقّعون مثل هذا الصمود الإيراني الذي تردّ فيه على من يحاصرها بمزيد من التطور والاعتماد على الذات، ليس فقط في تحدّياتها الداخلية على الصعيدين السياسي والاقتصادي بما في ذلك تطوير قدراتها في المجال النووي سواء للاستخدام السلمي أم غيره.
إنّ إيران ومنذ نجاح الثورة الإسلامية أواخر السبعينيات تعرّضت للكثير من الأذى بشكل مباشر على يد نظام صدام حسين وحلفائه العرب حيث كان كلّ همّ هؤلاء أن يقضوا عليها ويزعزعوا قوتها بما لا يجعلها تشكّل خطراً على مصالحهم في المنطقة التي تعتبر حيوية واستراتيجية لهم، لكنها خرجت بعزيمة أقوى إلى أن وصلت إلى تهديد ربيبة الغرب “إسرائيل”، وإفشال أي مشروع أميركي في العراق وسورية ولبنان وأصبحت هاجساً لقوى الاستكبار.
وترزح إيران منذ 40 عاماً وحتى الآن تحت وطأة ما يسمّى عقوبات متنوّعة منها ما هو أحادي كتلك التي تفرضها أميركا، ومنها ما هو جماعي خارج مجلس الأمن كتلك التي يفرضها الاتحاد الأوروبيّ وأميركا، ومنها ما هو دولي أممي كتلك التي تفرض بقرار من مجلس الأمن بضغط أميركي، والهدف من تلك العقوبات خنق إيران وجعلها تتراجع عن سياستها الاستقلاليّة، وعن دعمها لحركات التحرّر والمقاومة في العالم ومنعها أيضاً من امتلاك مصادر القوة (العسكرية والاقتصادية والعلمية) لإبقائها دولة من العالم الثالث وسوقاً استهلاكية لسلع الغرب وفرض التبعية الاقتصادية بعد السياسية لمجموعة المنتصرين في الحرب الثانية.
لكن العكس هو الذي حدث فلقد حقّقت إيران قفزات في مجال القوة الإنتاجية والصناعية أوصلها إلى مستوى زرع اليأس في الدول المحاصرة التي أدركت دون شك أنّ إسقاط إيران بات حلماً لا يمكن تحقيقه، بعد أن طوّرت إنتاجيتها للسلع الاستهلاكية المعيشية حقّقت فيه شبه اكتفاء ذاتي بلغ 85% كما طوّرت نفسها في المجالات العلمية والصناعية، وطرقت بنجاح الباب النووي السلمي ووصلت أيضاً إلى مستوى مَن يطلق الأقمار الصناعيّة ويضعها بنجاح على مدار تشغيلي استثماري، وعلى صعيد البنية التحتية خاصة في مجالات النقل والكهرباء والاتصالات والخدمات العامة، والأهمّ كان في مجال التصنيع العسكري الذي تمارس فيه القوى العظمى احتكاراً صارماً وتمنع مشاركتها فيه، عرفت إيران كيف تؤمّن لنفسها ولقواتها المسلحة من جيش وحرس ثوري وتعبئة شعبية ما يلزمهم من السلاح والذخيرة المتطوّرة التي تمكّنهم من تأمين دفاع موثوق محكم عن إيران أرضاً وشعباً ونظاماً وثروات.
هذه التطورات مكّنت إيران من الارتقاء إلى مصافي الدول الكبرى في نظام عالمي قيد التشكّل على أساس المجموعات الاستراتيجية، لتكون نواة مجموعة تفرض نفسها في النظام العالمي الجديد.
ومن العوامل التي ساعدت إيران على الصمود، العامل الفكري العقائدي الديني لإنشاء الدولة المستقلة القوية، وتعاملت مع هذا العامل ليكون حافزاً للتضحية والإقدام والتطوّر خلافاً لما جعلها آخرون من المسلمين عامل تخلّف، إضافة لطبيعة الإنسان الإيراني المتميّز بالصلابة وطول النفس والعناد والإصرار على النجاح والتمسّك بالحقوق.
والأهم هو العامل الاستراتيجي التحالفي حيث اختارت إيران تقديم الدعم وإنشاء التحالفات دولياً ونجحت في تشكيل محور المقاومة الإقليميّ، فإيران تبني تحالفاتها على أساس دعم قضية حق لرفع ظلم، وخير مثال موقفها من قضية فلسطين التي جهد الآخرون في إبعادها عنها ففشلوا، وهذا ما يفسّر وقوفها مع سورية طوال سنوات الحرب وتسعى لشراكة أبدية متوازنة معها، وهنا التباين بين إيران ودول الغرب الاستعماريّ التي تقيم التحالف انطلاقاً من المصالح الفردية والذاتية التي تريد اقتناصها من الآخرين.
وإن غداً لناظره قريب
معا على الطريق – د . عبد الحميد دشتي