برز على السطح خلال الفترة الماضية وفي ظل الاهتمام العالمي بوباء كورونا وتحدي مواجهته دور الدول والمجتمعات والهيئات في معالجة تلك الجائحة, وتم التركيز على دور كل من الدول والهيئات المدنية في هذا المجال وعلى المستوى الأوروبي برز دور (المجتمع المدني) أو ما يطلق عليه في بعض البلدان ومنها سورية المنظمات غير الحكومية ,ما جعل الإضاءة على دور هذه المؤسسات في تلك المواجهة التي تشكل تحدياً حقيقياً للجميع وللإضاءة على ذلك المفهوم تجدر الإشارة إلى أن اغلب المفاهيم التي وردتنا من المجتمعات الغربية أحدثت إشكاليات تتعلق في حقيقتها وجوهرها ومنها بالطبع المجتمع المدني ,الذي تشير الدراسات الاجتماعية إلى أنه ينتسب للقرن السابع عشر كتاريخ ولادة ويقابل المجتمع المدني المجتمع الطبيعي أي المجتمع الذي يتشكل على قاعدة الأسرة والقبيلة والطائفة فهو خروج عن انتماءات الفرد الطبيعية أو الوشائجية وصولا إلى انتماءات تعاقدية, بوصف الفرد مواطنا ضمن جماعة سياسية فالمجتمع المدني صناعة البشر وليس صناعة الطبيعة أي صناعة المجتمع فثمة فرق بين جماعة ومجتمع, فالجماعة انتماء لا إرادي والمجتمع يقوم على الأفراد الذين انتظموا بإرادتهم وليس بالانتماء اللاإرادي وهذا لا ينفي كونهم في جماعة طبيعية من هنا اعتبر المجتمع المدني الأساس والمدخل الممهد لمفهوم المواطنة فهو تحرر وانتقال من الانتماء الطبيعي إلى الانتماء اللا إرادي بوصف الإنسان فرداً حراً يتعاقد مع جماعة ضمن مؤسسة هي الدولة.
والمجتمع المدني نشأ مع تطور وظهور المجتمع الصناعي والاقتصاد الرأسمالي في مجتمع مستقل اقتصادياً عن سلطة القسر لصاحب العمل وكذلك يختلف عن المجتمع الزراعي وروابطه الأسرية وسلطة مالك الأرض فهو مفهوم نشأ في مجتمع بورجوازي ورأسمالي مديني وليس إقطاعيا وتشكيل اتحاد طوعي من قطاعات ونشاطات مختلفة تربطها عموماً علاقات المدينة وليس علاقات الريف الزراعي تشكيل يتكون من الاتحادات والجمعيات التي هي آخر مرحلة من مراحل تطور مفهوم المجتمع المدني وهو ما وصلنا كبلدان في حين يضع خلفه قرنين من التطور في بلد المنشأ أوروبا حيث إرهاصاته الأولى مجموعات من اتحاد أفراد مستقلين عن سلطة الدولة الى استقلال عن السلطة الطبيعية الوشائجية إلى اتحادات وجمعيات ومؤسسات مدنية الطابع والنشاط.
وبقدر تحرر المجتمع المدني من الانتماءات الطبيعية سواء كانت أسرة أو عشيرة ومن سلطة الدولة لجهة أن مستوى الإنتاج والاقتصاد في المجتمع الرأسمالي يجعل الفرد مستقلا عن سطوة الدولة فنحن أمام مواطن حر مستقل في تنظيم علاقاته ولكن ضمن سيادة القانون وليس بديلا عن الدولة فترجمة المفهوم تعني مجتمعاً مواطنياً من مواطن وليس مدنياً ووصفه بالمدني أو المديني جاءت من كونه مجتمع مدينة وليس مجتمعاً فلاحياً أو ريفياً تربطه علاقات وروابط أسرية وعشائرية وإقطاعية فهو نتاج تطور التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية من المرحلة الإقطاعية إلى البرجوازية والرأسمالية.
والمجتمع المدني هدفه تقديم الخدمات والمساعدات لأفراد المجتمع بوصفهم مواطنين في دولة وأعضاء في جماعة سياسية ولا يصادر دور الدولة أو يقوم بعملية حلول بدلا عنها فدوره مكمل لوظائفها الخدمية والصحية والتربوية ,ولإفراده دور كبير في الأزمات والحروب والكوارث التي تصيب الدول والمجتمعات في مراحل معينة من تاريخها وما تواجهه من تحديات ,ولعل الأزمة التي تمر بها دول العالم بسبب انتشار وباء كورونا أبرزت أهمية الدور الذي يقوم به الأفراد المنتسبون لهيئات المجتمع المدني والمتطوعون والناشطون في قطاعات الخدمات العامة في ظل قصور مؤسسات بعض الدول في لعب دور في قطاعات الصحة والخدمة العامة على عكس ما هو حاصل في الدول ذات النظام القائم على دور الدولة الوظيفي والأساسي والقطاعي في كافة النشاطات الاقتصادية والخدمية والتربوية والصحية وهو الحاصل في الصين وكوبا وروسيا كإرث اشتراكي وغيرها مما سمي أنظمة شمولية .
إن الفكرة الأساسية التي نشأ عليها المجتمع المدني هي دور الفرد المواطن الحر والمتحرر من كل أشكال القيود والخاضع لسلطة القانون في ممارسة دوره كفاعل اجتماعي وعضو في جماعة سياسية هي الدولة بعيداً عن أي هوى أو انتماء سياسي أو حزبي فالارتباط والرابطة هي الدولة وليس طبيعة النظام السياسي أو الأيديولوجيا التي تحكمه ما يجعل من منتسبيه وأعضائه فاعلين على الدوام .
د .خلف المفتاح – إضاءات