ثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
تمر هذه الايام ذكرى مأساة انتحار الشاعر العربي خليل حاوي , الذي سدد إلى الرأس طلقات أنهت حياته يوم اجتاح الصهاينة الجنوب اللبناني عام 1982م , كانت الرصاصات التي أطلقها حاوي اجمل القصائد التي كتبها بالدم ،كما عبر عن ذلك أحد المتابعين , وهي رسالة احتجاج كل يوم يتردد صداها، من بيروت إلى العالم العربي كله , لا نهر الرماد صار ماء حياة، ولا الشرق العربي الجديد الذي حلم به حاوي وعمل من اجله تحقق ،لكن درب المقاومة مازالت ترصف وتعبد الحلم .
لو كان حاوي اليوم بيننا لآمن أن الشرق العربي الجديد يبعث من تحت الرماد , أما وقد غاب فثمة من يبحث في أرشيف الغياب , لماذا انتحر , وكيف , ومن اجل ماذا ؟ مع ان القراءة كلها تشي وتقول : إن عوامل اليأس التي أحاقت به كانت من الصمت العربي تجاه العدوان , لم يكن في الجنوب ومع لبنان , إلا سورية الوفية كعهدها دائما وأبدا , وثمة من يذهب الى البحث في علاقات حاوي العاطفية ويستحضر رسائله إلى ديزي الامير التي رحلت منذ فترة قريبة , يقول أسعد خوري عن ذلك “:
شكّل خليل حاوي وديزي الأمير ثنائية لم تكن يتيمة في عالم الثقافة التي شهدت ثنائيات كثيرة من قبيل العلاقة بين الأديبة جورج ساند والشاعر ألفرد دو موسيه، وجبران خليل جبران ومي زيادة، وجبران وماري هاسكل، وجان بول سارتر وسيمون دوبوفوار، وغسان كنفاني وغادة السمّان وسواهم. وما يؤسف له حقا أننا وقعنا على رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمّان ورسائل خليل حاوي إلى ديزي الأمير، دون أن يتاح لنا الاطلاع على رسائل ديزي وغادة مع أن الرسائل بين هؤلاء كانت متبادلة وعلى خطين سالكين، وهذا ما يؤخذ على ديزي الأمير وعلى غادة السمّان.
في كتاب “خليل حاوي.. رسائل الحب والحياة” الصادر عن دار النضال للنشر العام 1987، يكشف حاوي “السرّ” الكبير حول “مسألة الزواج”، فيقول “الثرثرات النسائية في المجتمع البيروتي أفسدت الصلة بيني وبين ديزي الأمير التي أهديتها كتاب جبران، اليد التي أمسكت بيدي في ليالي الشك والخلق، وهي التي رافقتني إلى جامعة كيمبردج”.
كانت ديزي الأمير تعشق بيروت مثلما تعشق بغداد، أما لندن فكانت محطة ديزي في أسفارها وترحالها. الإيمان العميق بالحياة والإنسان، جعل ديزي امرأة كثيرة الكرم والاهتمام بالأهل والناس. لذا، قدّمت الكثير لصديقها وحبيبها خليل حاوي الذي يعترف بالأمر في إحدى رسائله إلى ديزي قائلا “أذكر ساعة وصلتني هديتك الثمينة أني كنتُ في حالِ ترقّب نبأ لا أدري أيكون حلوا أم مرّا، ثم وصلت الهدية، فَرِحتُ بها حتى الدموع، تجلّببت بالعباءة وغليتُ قهوة عربية وجلستُ على السجادة، ودخّنتُ كثيرا، تذكرتُ كثيرا.. حتى كاد يخنقني الحنين، كانت جلسة عربية أو لبنانية، سمّيها ما شئتِ، وكنتِ معي إلى جانبي، رأسُكِ على كتفي وشَعْرُكِ بين يديّ”.
الشعر يقتضي من الشاعر وقف الحياة عليه وحده، وخاصة عندما يكون شعرا ملتزما بثورة انبعاث حضاري مطلقة.
ديزي الأمير كانت تملأ نفس الشاعر حتى عندما لا يكونان معا. إنه يتخيّل لقاءهما في بلدته الشوير، حيث كانت ديزي تصطاف، بينما يكون خليل في الجامعة في كيمبردج “نعم، سأروح على الدروب، سألتقي الشمسَ على تلالِ «الضهور»، سنكون معا وجها لوجه، سأشعر بوحدةٍ حلوة موجعة”. يضيف في رسالة له إلى ديزي “نفسي مليئة بكِ، ومكانك بجانبي فراغ، سأشعر على التلال بالامتلاء والفراغ، امتلاء النفس وفراغ اليد والعين. ليتكِ معي، لما خِفتُ وحشة الغروب في الجبل، في اللحظة التي تتلملم فيها الوحشة وتدخل علينا من الأبواب والنوافذ”.
في وصفه للعلاقة بينه وبين ديزي الأمير يقول خليل حاوي في رسالته إلى حبيبته ديزي “…وجئتِ أنتِ، وما كانت مواعيدنا الأولى سوى سوانحَ عابرة في دنيا سجين، ولطالما عُدتِ بعد كل مرة عودة المُذْعِن للقضاء المحتوم، عودة الهالك الراضي بسجنه وجحيمه. وكأن بيني وبينكِ هوّة لا أنا قطعتها ولا أنتِ انجذبت إليها”.
ويسأل ويتساءل عن الأسباب “لا تسألي لماذا، لماذا زَحفتُ إليكِ فيما بعد، ولماذا تمسكتُ بك بأظافري وأعصابي وقلبي. كنتُ أطلبُ النجاة وكنتُ أكافحُ من أجلها، كنتُ أودّ أن أحيا ثانية، أن أولد ثانية، وكنتُ بلا معين، وحدي أقاسي ألَمَ المخاض. ألَمَ من تتمخّض ولا تَلِد”.
ثم يصف خليل العلاقة مع ديزي “أنا لا أقول إنك لم تمدّي يدا إليّ. لقد كنتِ أحيانا أرحم وأندى من ربيع لبنان وأحيانا أقسى من الصحراء، ومن عَيْني القاضي؛ يلتمع فيهما بريق رصاص ونحاس.
نعم هذا هو حاوي المحب للوطن , والمرأة , والمرأة وطن وكرامة , ولا كرامة لأمرأة إلا بوطن حر كريم , وإلى جسر العبور القادم سنبقى نردد : صيحة حاوي على العدوان والخذلان.