ثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
لم يكن السوريون بحاجة إلى اعتراف جديد من قبل المسؤولين الأميركيين بالدور القذر الذي تلعبه بلادهم في سورية ــ وآخرهم جيمس جيفري ــ حتى يدركوا حقيقة الحرب الإرهابية التي واجهتهم وشنت عليهم منذ البداية وبأنها كانت حرباً أميركية بامتياز.
فالسوريون لمسوا وعاينوا عن قرب الأدوار التخريبية والتحريضية والإرهابية والمعرقلة التي لعبتها واشنطن وأدواتها على مدى تسع سنوات من عمر الحرب على بلدهم، ولعل من كان لديه ذاكرة سيتذكر كيف كان السفير الأميركي في سورية روبرت فورد يتنقل من مدينة سورية إلى أخرى من أجل تحريض ما كان يسميهم “بالمعارضة” على رفض أي حوار مع الدولة السورية بهدف الوصول إلى حل للأزمة، ودفعها للاستمرار في تعنتها وانجرافها نحو العنف والإرهاب ضارباً بذلك كل الأعراف الدبلوماسية التي تمنع تدخل السفراء في شؤون البلدان التي تستضيفهم، وهو ما أسهم باستمرار الحرب واتساعها ومنع أي فرصة للحل السياسي.
كما أن السوريين يعرفون جيداً كيف قامت واشنطن بتدريب وتسليح وتمويل قطعان الإرهابيين الذين جاؤوا للقتال في سورية من كل أصقاع الدنيا وخاصة عبر البوابة التركية تحت عنوان دعم “المعارضة المعتدلة”، وقد شاهدوا كيف كان المسؤولون الأميركيون من الحزبين “الجمهوري والديمقراطي” يقومون بجولاتهم على مراكز تجمعهم، والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي وضع برنامجا زمنياً مدته 20 عاماً لتدمير سورية هو من نفى عن هؤلاء الإرهابيين صفة “الاعتدال” لتماهيهم تماماً مع تنظيمي القاعدة وداعش في جرائمهم وانتهاكاتهم وإرهابهم بمختلف مسمياتهم بحق الإنسان السوري.
لقد بلغت الوقاحة والجرأة بالمدعو جيفري والمكلف من ترامب بمهمة ما يسمى “المبعوث الأميركي إلى سورية” ــ ومهمته الأساسية رعاية الإرهابيين والمرتزقة في مناطق الوجود الأميركي غير الشرعي في الشمال السوري ــ أن يتبجح بأن بلاده هي المسؤولة عن انخفاض قيمة الليرة السورية في الأيام الماضية، بعد أن قامت بتطبيق إجراءاتها الاقتصادية القسرية أحادية الجانب بحق السوريين تحت مسمى “قانون قيصر”، ليعترف بكل وضوح أن بلاده تشن حرب تجويع ضد السوريين في محاولة يائسة لتركيع دولتهم وجرها إلى الحضن الأميركي الذليل، وهو اعتراف يدين واشنطن ويجرمها بكل المعاناة التي يعيشها أبناء سورية جراء الوضع الاقتصادي الصعب الذي فرضته الحرب الإرهابية التي تديرها واشنطن من جهة وسياسة الحصار والعقوبات التي تفرضها من جهة أخرى، ولو كان للمجتمع الدولي ولمؤسساته القانونية سلطة وحضور فاعل في السياسة الدولية لاقتيد المسؤولون الأميركيون إلى المحاكم الدولية، وحوسبوا على جرائمهم بحق الشعب السوري الذي حارب الإرهاب التكفيري الداعشي نيابة عن العالم وهزمه.
اعتراف “المبعوث الأميركي” ينسجم تماماً مع التقرير الذي تم نشره في موقع انترناشونال بزنس تايمز بنسخته الصادرة في سنغافورة حول الأوامر التي أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً بخصوص إحراق المحاصيل الزراعية في سورية لحرمان الشعب السوري من خيرات بلاده، حيث ذكر الموقع أن ترامب وقع أمراً تنفيذياً لقواته المحتلة لكي تعاقب فلاحي الجزيرة السورية في أرزاقهم ولقمة عيشهم، حيث قامت مروحيات أميركية بإلقاء بالونات حرارية أدت إلى إحراق مساحات واسعة من حقول القمح والشعير على أبواب موسم الجني والحصاد في محافظات الحسكة والرقة وحلب، كما يتقاطع هذا الاعتراف مع المعطيات المؤكدة حول قيام القوات الأميركية المحتلة بسرقة النفط السوري، مرة بالتعاون مع تنظيم “داعش” ومرة مع مرتزقة “قسد” الانفصاليين، وليس بعيداً عن ذلك وقاحة ترامب ومطالباته الجشعة والفظة بحصته من النفط السوري.
ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية باعتراف مسؤوليها هي حرب اقتصادية قذرة هدفها تجويع السوريين والضغط عليهم من أجل التخلي عن دولتهم، وهي تشبه حرب العثمانيين على السوريين بداية القرن الماضي عندما كانوا يسرقون القمح من بيوت السوريين كي يقدموه لجنود دولتهم المستعمرة، وهذا يؤكد أن سلوك المستعمرين واحد وإن تغيرت جنسياتهم ولغاتهم، غير أن ما لا يستوعبه الأميركي، هو أن السوريين متمسكون بأرضهم ودولتهم ولن ترهبهم أو تؤثر في معنوياتهم كل حروبه العدوانية وإجراءاته الاقتصادية القذرة، وسيدفع ثمن غطرسته وانتهاكاته وسيخرج ذليلاً من الأرض السورية كما خرج قبله العثمانيون والفرنسيون وكل الغزاة الطامعين.
إن ما تمارسه الولايات المتحدة من انتهاكات لا إنسانية بحق السوريين وحرب اقتصادية غايتها التجويع يعتبر جريمة بحق الإنسانية، وهي جريمة شديدة الخطورة كونها تتزامن مع إجراءات للحكومة السورية لمنع تفشي وباء كورونا بين شعبها، ومع محاولات حثيثة من قبلها للتعافي من مرحلة الحرب المدمرة التي تركت آثاراً سلبية على الاقتصاد الوطني، والانتهاكات الأميركية تلك هي أيضاً ضرب من العدوانية لخلق الأزمات والمشكلات لشعب كل ذنبه أنه دافع عن أرضه وحقوقه وهزم أعتى جماعات التكفير والإرهاب المدعومة أميركياً، وهذا ما يجب أن يعلمه المجتمع الدولي الذي أجمعت معظم دوله على أن الإجراءات الأميركية بحق السوريين لا إنسانية ولا أخلاقية وتنتهك القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وترقى إلى جرائم حرب موصوفة.