ثورة أون لاين_ هفاف ميهوب:
ذكّرتني الحالة التي نعيشها اليوم، والتي سببها وحشيّة الدول التي تتكالبُ لفرضِ هيمنتها على الشعوب مثلما على القيم والمعايير الأخلاقيّة والإنسانيّة.. ذكّرتني برواية “العمى” التي ختمها الروائي البرتغالي “جوزيه ساراماغو” بجملةٍ من المناسب أن يقرأها كلّ من لا يرى، أو لا يريد أن يرى، بأنّ عدوّنا الحقيقي هو من اعتاد على إشباعِ أحقاده وأناه المعتادة على القتل والتدمير والإبادات الشاملة والجماعيّة.
“العمى ليس ما لا نراه فقط، بل هو عمى فكري وعمى أخلاقي، والسرقة والجرائم ما هي إلّا نتاج ما كسبت أيدي البشر”.
إنّه عماءٌ وإن جعل الناس لدى “ساراماغو” يرون كلّ الأشياء غارقة في البياض، إلّا أنّه جعل أناس هذا الزمن، يرون كلّ الحياة سوداء.. عماءٌ، لا زمان ولا مكان له في تلك المدينة التي تخيّلها، لكنّه لدينا، في زمنٍ هو واقعنا، ومكان هو الغابة التي انطلق منها وحوش العالم، باتجاه كل الأمكنة التي يسعونَ لقتل وإبادة روحها وإنسانها..
حتماً هي رسالة، وهي إن أرسلت في الرواية عبر امرأةٍ واحدة لم تصب بالعمى، لكنّها عاشت معاناتها إلى أن اتّقد فكرها وحكمتها: “ما أصعب أن يكون المرء مبصراً في مجتمع أعمى”.. إن أرسلت كذلك في الرواية، إلا أننا اليوم جميعاً من يُرسلها.
نرسلها إلى منظّمات حقوق الإنسان، علّها ترى ما لا تريد أن تراه مما آلت إليه أحوال الشعوب والأوطان.. إلى أعداء الحق والشرف والكرامة، ومن انساقوا وراءهم لإرضاءِ شهواتهم المُدانة.. إلى كلِّ من تعرّى من أخلاقه وواجبه، ساعياً إلى ارتداءِ شروره وطمعه، وإلى من يعيث دماراً في العقول، والجاهلُ بالقول والفعل اللا مسؤول.. إلى أصحاب الضمائر المفقودة أو المجرورة أو الغائبة، وإلى الحمقى ممن قصدتهم الكلمات القائلة:
“الضمير الأخلاقي الذي يهاجمه كُثر من الحمقى، وينكره آخرون كثر أيضاً، موجود وهو ليس من اختراع فلاسفة الدهر الرابع، حيث لم تكن الروح أكثر من فرضية مشوّشة، لكن، مع مرور الزمن والارتقاء الاجتماعي والتّبادل الجيني، انتهينا إلى تلوين ضميرنا بحمرة الدّم وملوحة الدمع، وحوّلنا أعيننا إلى مرايا داخليّة، والنتيجة أنّها غالباً تظهر من دون أن تعكس ما كنّا نحاول إنكاره لفظيّاً”.