ثورة أون لاين-هفاف ميهوب:
العنصرية التي فرضتها أميركا منذ عقودٍ طويلة ضد الأفارقة أصحاب البشرة السوداء، لم تكن سبباً في الاحتجاجات الأدبية فقط، وإنما أيضاً الفنية. الاحتجاجات التي اندلعت في كافة أنحاء العالم الذي سارع الفنانين فيه، للكشف عن الوجه الحقيقي لكلّ الدول التي مارست الاضطهاد والإذلال والعبودية..
إنها احتجاجات، وإن كانت قديمة في تجسيدها لمقدار تدني أخلاق الدول الموغلة في عنصريتها، إلا أنها جديدة في تضامنها الذي تجددت معانيه الغاضبة، بتجدد هذا التمييز الذي جعل حادثة “مينيابولس” تعيد للأذهان صور التاريخ الأميركي الملطخ بالانتهاكات ولاإنسانيتها.
يبدو أن التحرر الذي ناله الكثير من العبيد بعد الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية، لازال سبباً فيما يقترفه اليوم أحفاد الجنس الأبيض في الولايات المتحدة الاستعمارية أحفاد “الأسياد” الذين سعوا وبعد أن امتلأت نفوسهم بالحقد بسبب تحرر عبيدهم، لإعدام أعداد كبيرة من هؤلاء العبيد، وسواء بالحرق أو الشنق أو غير ذلك مما أرادوا به استعادة ما فقدوه من سيادة عرقهم ولونهم.
كل ذلك، جسده الفن عبر لوحات لازال أغلبها موجود في المتاحف العالمية. لوحات تدين هذه الإعدامات وتسعى لتوثيقها وترسيخها في الذاكرة البشرية.
نعم، تسعى لتوثيقها ماضياً وحاضراً، كما في لوحاتٍ كثيرة أحدها للرسام الأمريكي من أصل أيرلندي “ويليام أيكن ووكر” الذي عكست لوحته “جامعو القطن” أعلى درجات العنصرية ضد السود، ممن كانوا يعملون في مزارع وحقول القطن، فكانت مكافأتهم التعذيب والذل والاستعباد والقتل.
أيضاً، كما في لوحات الرسام الأمريكي “نورمان روكويل” الصادمة وأشهرها “المشكلة التي نعيش معها” التي تجسد صورة طفلة سوداء، تشد دفاترها على صدرها وهي تدخل مدرسة لذوي البشرة البيضاء، تلاحقها صور الجدران الملطخة بالطماطم وألفاظ التمييز العنصري التي منها زنجية”.
أما بالنسبة لفناني هذا العصر ممن جسدوا بشاعة العبودية، فهم كُثر ومنهم الفنان والمصور الفوتوغرافي الأميركي “كين غونزاليس داي” الذي وثق في “أرض الظل” وغيرها من أعماله، ما يعبر عن رفضه واستنكاره لكلِّ مايدل على قسوة ونذالة العنصرية.
إذاً بإمكان الفن أيضاً أن يتظاهر، وأن يحشد في معارض ومتاحف العالم لوحات عديدة، وبألوان غاضبة ومضامين عنيدة، لوحات مثلما تؤرخ للوحشية الأميركية في تعاملها مع العبيد السود، تؤرخ لكيفية تحرر هؤلاء العبيد من أغلال الظلم والاحتقار والقسوة التي لازالت أميركا تمارسها وتتمادى في تمييزها العنصري المعهود.
باختصار سيبقى التاريخ الأميركي عبارة عن مجرمٍ تدينه كل لوحات الفن والتصوير والنحت العالمي، وتحاكمه الإنسانية المهدورة بالأصفاد والحرق والتعذيب والقتل والذبح الوحشي.
سيبقى عبارة عن خلفية اللوحة الأبرز في متاحف الفن العالمي. اللوحة التي صور فيها الفنان الافريقي “فتح رينغولد” العلم الأميركي الملطخ بدم الزنوج، وخلفه مواطنون أشدهم حياءً وخجلاً، الزنجي الأميركي.”