ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لم تقوَ ديمقراطية أردوغان على تحمل بعض التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بل لم يتسع صدر دعاة الحرية في حزب العدالة والتنمية لبعض الانتقادات،
ولم تتحمل عقلية الإخوان أن يكون هناك صوت يقول غير ما تتفوه به من أكاذيب وافتراءات.
حال الإخوانية في تركيا وحال أردوغان الذي دفعه إلى اعتبار تويتر وباء يشبه حال نظيره المصري الذي يدفع بمصر اليوم إلى حافة الهاوية، مدفوعاً بعقل رسّخه الفكر الإخواني، ولم يسمح له أن يرى أبعد مما تراكم في ذاكرته من تعليمات معلبة، سواء جاءت بالبريد العاجل أم عبر منابر المساجد.
قد لا يحتاج الأمر إلى كثير من التدقيق، وشواهده تحكم عليه مسبقاً، إذ إن المقارنة في أغلب الأحيان ظالمة، ولا يمكن أن تكون منصفة، حيث تكشف التطورات عن مفارقات ليست في الممارسة فحسب، بل أيضا في المواقف المسبقة التي تحكم النظرة وخلفياتها الإيديولوجية، وهي تعرّي أصحابها أمام أول منعطف وصلت إليه لتكشف عن زيفٍ لا يستطيع العقل البشري أن يتحمل تبعات وجوده، وهو يحكم بالمستحيل على كل ما يحيط به وما يستلزمه من آفاق جديدة لتوغل في عقل الأمة.
فإذا كانت الإخوانية التركية على مدى قرابة عقد من الزمن قد تم تسويقها على أنها نموذج الإسلام السياسي، ولم تخفِ الدوائر الغربية احتفاءها بهذه النماذج والعمل على تعميمها كحلقات قابلة للنفاذ داخل المجتمعات العربية، بل اعتبارها المكون الأساسي لكل مفرزاتها السياسية التي يجب أن تتشكل لاحقاً، فإن من البداهة بمكان أن يُطرح التساؤل ذاته على نطاق أوسع، حيث العقل الغربي «الملتحي» يقف خلف ظواهر خادعة لم تكن أكثر من فقاعات في مياه راكدة.
والمفاجأة غير المنتظرة لدى الغرب أن هذه العقلية التي سوّقت انفتاحها السياسي والفكري اصطدمت منذ البداية بمجموعة من البدائية والانعزالية والديكتاتورية، لكنها أغمضت عينيها وانساقت خلف شعارات التوهم بأن ما يجري قد يعيد رسم المشهد وفق مشيئة الصهيونية التي سوّقت وروّجت لهذه النماذج، ولم تبدِ اعتراضاً على المصالحة معها، لتكون الجسر الذي تعبر عليه نحو فرض سطوتها على المنطقة.
في الحالين لا تقاس المسألة بما نتج عنهما، بقدر ما تحتكم إلى قواعد الفكر الذي يؤسس لمناخ ظلامي لا يكتفي بإلغاء الآخر وعدم قبوله، بل لا يقبل حتى بالمقارنة على قاعدة واحدة يمكن أن تفرض شروطها، حيث لم تتردد حكومة أردوغان وبصفاقة الطلب من مواقع التواصل الاجتماعي تزويدها بعناوين بعض المشتركين الذين وجهوا انتقاداتهم لممارساتها القمعية، فيما كان مرسي على خطا سيّده الأردوغاني يدفع بكل أجهزة الدولة لتكون نسخة مطابقة عن إخوانيته في تعميم الحالة على المقاس ذاته.
مرة أخرى لسنا بوارد المقارنة، ولا هي من باب الأدلة والقرائن، لكنها وقفة تأملية في مشهد النفاق السياسي الغربي الذي لا يزال ينتظر حدود ومساحات التأثير في التجاذب القائم مع مواقع التواصل الاجتماعي الذي كان حريصاً، بل حارساً لا يسمح لأحد بالمساس به ويعمل طوال الوقت على إفساح المجال أمامها لتستكمل ما عجز عنه في العسكرة والسياسة والإعلام بوجوهه التقليدية.
من يتوهم أن ذاكرة الشعوب قاصرة أو مؤقتة تختزن بعضاً وترمي ببعضه الآخر يكون واهماً، وعليه ان يفتح دفاتره ليسجل بالبنط العريض.. بأنه رغم فارق الحالة واتساع مساحة الاختلاف في المقاربة فإنه يسجل أنه على مدى سبعة وعشرين شهراً لم يتوقف في سورية موقع، ولم يُحجب حساب، حتى في أحلك ظروف الأزمة، إلا حين كانت تمتد أصابع الظلاميين والإرهابيين من مرتزقة أردوغان وأقران مرسي إلى التخريب والتدمير.
«وباء» أردوغان يمتد أبعد من محاصرة مواقع التواصل الاجتماعي، ويصل إلى قاع الفكر الإخواني بظلامية النظرة وتكفيرية التوجه والغاء الآخر ليحاكي كل ما احتج عليه الأتراك، لتقابله على الضفة الأخرى عدوى مرسي في معاداة كل من يرتفع صوته، وكل من يجاهر برأيه في رفض أخونة «مصر اليوم».
a.ka667@yahoo.com