ثورة أون لاين- كتب رئيس التحرير علي قاسم:
اليوم توقد «الثورة» شمعتها الاولى بعد الخمسين، وقد خطت في سطور صفحاتها التفاصيل الكاملة لحكاية وطن، واليوميات المبكرة لقصة كل سوري، امتزجت فيه الرؤيا بالطموح مع الواقع، وهي تقدم مقاربتها في مواجهة التحديات التي ارتسمت على مدى نصف قرن.
ليس من السهل أن تختزل في بضع كلمات ولا حتى في سطور تخط على عجل، تاريخاً حافلاً بالجهد والعرق، وقد افنى فيه زملاء الدرب اعمارهم، وعصارة تجارب حياتهم في البحث والتحليل والاستنتاج والمتابعة، وتركوها امانة للاجيال تعيد من خلالها رسم خارطة انتمائها الوطني والانساني والمهني، وقد روتها بيقينها الدائم في بناء غد افضل.
ندرك أن المسألة أبعد من سنواتها الخمسين، وأن فيها ما هو اكثر عمقاً من تصفح لكل هذه الصفحات التي تجاوزت الثلاثمئة الف صفحة، وما يمتد الى آلاف الأسماء التي انطوت تحت عناوينها وخلف مقالاتها، وبين سطور اخبارها. وندرك أيضاً أنه من الصعب أن تضع خطاً فاصلاً، والاصعب ان ترسم علامات لمراحل تمتد في عمق الوجدان السوري كوطن وكإنسان وكتاريخ وحضارة كانت تحاكي قضايا الامة وهمومها المرسومة في لائحة السوري اليومية، وعلى طبقه وبين حقائب سفره وربما في خزائن ثيابه، مثلما حملها في احلامه وطموحاته، وفي عمله وجده وكفاحه الحياتي بعقله الجمعي كما هو على المستوى الشخصي.
سورية المرسومة في صفحات جريدة الثورة على مدى خمسين عاماً هي سورية التي نعرفها، وسورية التي نريد أن نستزيد من التعرف على تفاصيلها المعلومة والمحفوظة عن ظهر قلب، او المخبأة في دفاتر الحضارة، وسورية التي نريدها في غدنا وكما نتمناها في حاضرنا.
وسورية ايضاً التي نبحث عن ملامحها ونحن نستيقظ كل صباح على حلم يبنيها وطموح يزيدها متانة، وامنية تصون سيادتها وتحفظ كبرياءها وارادة تحميها من كيد لم يتوقف، ومؤامرات لم تهدأ، وفي هذه الصفحات ما يكفي من قرائن وشواهد، وفيها ما يحاكي اليوم والأمس كما يكتب عن الغد. طموحنا ونحن نشعل الشمعة الاولى بعد الخمسين يتضاعف، ويكبر بإرادة حقيقية من زملاء يواصلون الليل بالنهار، وبأقلام تتابع الحدث لحظة بلحظة، وأجساد تفني اعمارها خلف مكاتب العمل فنياً وطباعياً، أو على الطرقات كي تصل الصحيفة كل صباح وفي موعدها.
ندرك أن أعمارنا التي نمضي بعضها هنا، وكثيرون منا يقضون اغلبها، ستخط المزيد من الصفحات التي تنضم الى ذاكرة الوطن، وستكتب بين سطورها ما قد فاتنا في الماضي، وأن نستدرك ما استصعبناه في لحظات الرخاء ونحن نواجه التحدي اليومي، بعزيمة تؤمن بانتصار بات يلوح في الافق. طموحنا يزداد رسوخاً ونحن نلمس متابعة ودعماً واهتماماً يوازي في بعضه ما نطمح اليه، وفي بعضه يسبق احياناً ما نحاول ان نسعى اليه، وفي كلا الحالين ثمة كلمة شكر لزملاء كانوا اوفياء لرسالة هذه الصحيفة ولتاريخها، وكانوا مخلصين بمواقفهم وتمسكهم بهذه الرسالة، خصوصاً حين كانت تحتاج الى وجودهم.
في الختام هو ليس عهداً فحسب، بل واجب نؤمن بحق تأديته تجاه انفسنا ومهنتنا وصحيفتنا ووطننا وقائد وطننا، لنكمل درب من سبقونا في الوفاء لمهنة تفرحنا بمتاعبها وتسعدنا بلحظات القلق التي لم تغادرنا يوماً من اجل ان تخطو الى الامام دائماً .