لم يعد الأمر مزحة فقد دخلنا مرحلة جديدة في المواجهة مع جشع التجار والصناعيين على حد سواء من دون استثناء أحد منهم، فالغلاء ضارب أطنابه في كل الأسواق، والتاجر يسرح ويمرح على هواه في جيوبنا متربصاً بكل قرش يظهر.. أما الجديد الذي لم نحسب له حساباً فهو فجوة المعروض السلعي..
تضاعفت أسعار السلع ومنها بطبيعة الحال الضروريات، فكان حل المواطن هو الاستغناء تدريجياً عن سلعة تلو الأخرى من سلته الغذائية المتواضعة أصلاً، ليحتفظ بأقل القليل، معتقداً أن هذه هي ذروة الألم، والمنتصر من يتحمل فترتها ليخرج منها مثقلاً بحكايات الجشع والاستغلال والجوع يرويها وهو يتنعم بأطايب الطعام..
المرحلة الأشد قد بدأت للتو، وباتت أرفف المحال شبه خالية تنعي أيام مجدها وازدهارها، فالتاجر لم يأمر بعد بتوزيع المواد التي يحتكرها، والصناعي لم يأمر بعد الموزعين ليمنحوا المواطن شرف استهلاك بضائعه المتميزة ذات الجودة، ما يعني أن سوقاً سوداء بدأت تتشكل لكل شيء والتي كانت قاصرة في الفترة القصيرة السابقة على السكر وزيت القلي وبضعة مواد مشابهة..
حاربنا الإرهاب ولا نزال على مدار سنوات تسع، ولم نهن أو نحزن لأن قدر أصحاب الكرامة هو المعاناة.. واجهنا مئات الألوف من شذاذ الآفاق ولم نتراجع مرة واحدة عن موقفنا، في حين تبدو معركة الجوع غير مضمونة النتائج هذه المرة لأن الخصم في ظهرانينا وبين صفوفنا، الأمر الذي يخلق كتلة متراصة من الأسئلة المتكاملة كحلقة اللانهاية في الرياضيات:
هل نصدق أننا عاجزون أمام تاجر أو صناعي يفحش في الربح؟
وهل بتنا أضعف من مواجهة رجل أعمال يحتكر مادة ويفرضها على شعب بأكمله بسعر يحدده هو؟
أليست الأقلام بأيدي موظفي الحكومة بقدرتها على إيلام كل من فجر في استغلاله لنا؟..
المقام يضيق عن ذكر الأدوات القادرة على تحقيق توازن الرعب بين الطرفين، فالمالية يمكنها تحصيل الضريبة الحقيقية إن لم يكن منهم فمن أسوئهم ليعتبر الباقون، و«العمل» قادرة بتفتيشها على إيلامهم بضبوط التهرب من تسجيل عمالهم في التأمينات أو الإفصاح عنهم، ناهيك عن «التموين» وقدرتها على مداهمة مستودعاتهم ومصادرة ما فيها.. والأمثلة كثيرة..
الوقت بدأ يدركنا.. والهزيمة غير واردة في قاموسنا..
الكنز- مازن جلال خيربك