العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الكلمة والريشة واللحن لم تنقطع على مر كل العصور، حيث كانت الرسوم التوضيحية تزين الكتب والمخطوطات القديمة، ولقد وصل الفن العربي إلى قمة الإبداع بمنمنمات أو رسوم الواسطي، التي ترافقت، منذ قرون، مع مقامات أو كتابات القاسم بن علي الحريري.
والعلاقة بين الرسم والكتابة تطرح قضية نقدية وجمالية قلما يلتفت إليها النقد ويعيرها انتباهاً، ومفادها أن ريشة الفنان إذا ترافقت مع الكلمة قد تتفوق عليها، وعلى خلاف أو عكس ذلك قد تتفوق الكلمة على الريشة، وقد يحقق الرسم مع الكلمة المرافق لها، حالة من التوازن والتوافق والانسجام، وأفضل مثال هنا رسومات وكتابات العالمي جبران خليل جبران.
وعلى صعيد الكلمة والموسيقا، قد نجد ألحاناً قوية مرتبطة بكلمات سطحية، وأصحابها لا يحسنون اختيار كلام يليق بموسيقاهم الساحرة، وعلى خلاف ذلك هنالك من يمتلك القدرة على تلحين كلمات راقية وأقوى من موسيقاه، إلا أن أفضل الأعمال هي التي يتوازى فيها اللحن القادر على الإدهاش مع الكلمة المتقنة، حيث يرتبط اسم موسيقار مبدع، مع شعراء كبار، مثل ارتباط فريد الأطرش مع الأخطل الصغير في (أضنيتني بالهجر، وعش أنت، ووردة من دمنا..) ومع كامل الشناوي في (يوم بلا غد، ولا وعينيك ..) ومع مأمون الشناوي في (حبيب العمر، وبنادي عليك، والربيع ، وأول همسة، ونجوم الليل، ويا قلبي يا مجروح، وحكاية غرامي وغيرها).. ولا تغيب عن ذاكرتنا أغاني محمد عبد الوهاب، الذي كان يفكر ألف مرة، قبل أن يُقدم على تلحين قصيدة، ولهذا حققت كلمات أغانيه حالات الموازنة والمواءمة مع ألحانه، أو مع روائعه الغنائية، ومن أشهرها ( النهر الخالد، والكرنك، والجندول، وكليو باترة، وحياتي أنت وغيرها).
وحين أدى عبد الحليم حافظ (رسالة من تحت الماء) و(قارئة الفنجان) من كلمات نزار قباني وألحان محمد الموجي، تحققت حالات الموازنة والمواءمة، بين الكلمة واللحن والأداء، والأمثلة كثيرة جداً.
رؤية ـ أديب مخزوم