ثورة أون لاين-منهل إبراهيم:
سعت “إسرائيل” منذ بداية نشأتها إلى توطيد دعائمها في القارة الإفريقية، وعلى وجه التحديد منطقة القرن الإفريقي، التي تشكل تهديداً للأمن القومي العربي والمصري، وذلك من خلال دعم التوجيه نحو إفريقيا، لخلق نوع من الفصل والتباعد بين التوجه العربي والإسلامي والتوجه الإفريقي، و”إسرائيل” تحاول دائما زيادة التعاون مع هذه الدول وفي مقدمتها إثيوبيا، بهدف تطويق مصر في شكل حزام، يمتد من إثيوبيا وإريتريا، مروراً بكينيا وأوغندا وتنزانيا، وبما يهدد منابع النيل .
وتوجه “إسرائيل” هناك من خلال تقديم المنح الاقتصادية والتدريبية والتعليمية والمساعدات العسكرية والتكنولوجيا في مجال الري والزراعة، من خلال منظمات دولية أو بالتعاون مع جهات مانحة .
وتعتبر “إسرائيل” أن إثيوبيا هي المكان الأنسب للضغط على مصر في إطار مشاريع السدود وهذه الترتيبات إذا تواصلت سوف تقطع الطريق على أي مسار تعاوني لمصر مع بلدان حوض النيل، وسوف تزيد من تعقيدات الأزمة لما يؤدي إلى خنق مصر والضغط عليها عبر السيطرة على حصصها المائية، والسعي إلى تكريس اتفاقية عنتيبي، التي تهدف من الناحية الاستراتيجية إلى تغيير قواعد توزيع المياه في حوض النيل، وتعديل الأوزان الاستراتيجية للدول المتشاطئة على النهر لمصلحة إثيوبيا .
“أزمة مياه سد النهضة الأثيوبي والأصابع الإسرائيلية”… بحث علمي للدكتور عصام شروف يهدف إلى تقييم أثر المشروعات المائية القائمة في أثيوبيا على كل من مصر والسودان ودور كيان الاحتلال الإسرائيلي في إيجاد هذه الأزمة وتأجيجها.
ويظهر البحث الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب تأثير هذه الأزمة على الأمن المائي العربي ومخططات كيان الاحتلال في هذا الصدد حيث وقع اتفاقيتين مع أثيوبيا وجنوب السودان لتوزيع الكهرباء التي ستنتج من السد ويظهر فيهما أن هذا الكيان جزء أساسي من سياسات وعمليات التشغيل في سد النهضة إضافة إلى محاولته شراء حصص واسعة من سنداته.
ويشير الكتاب الذي يقع عبر 432 صفحة من القطع المتوسط إلى تضاعف صادرات كيان الاحتلال إلى أثيوبيا أكثر من 30 مرة خلال الأعوام القليلة الماضية وإقامة الغرف التجارية المشتركة والمنح في مجالات الصحة والتعليم والتدريب مسلطا الضوء على أن قيام أثيوبيا بإنشاء سدود كبرى من شأنه التأثير على حصة مصر والسودان المائية وعلى المشروعات المائية فيهما.
كما يناقش الكتاب الأبعاد السياسية والاجتماعية لمشكلة السد ومنها المشكلات السياسية القائمة بين دول حوض نهر النيل والأزمة المستجدة بين تلك الدول وتداعياتها والمتغيرات السياسية والتنافس الإقليمي والدولي في تلك المنطقة والأمن القومي العربي واشكاليات تغلغل كيان الاحتلال في افريقيا والدور الصهيوني التخريبي في دول حوض النيل.
يذكر أن شروف حاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة حلب وله العديد من النشاطات الثقافية والاجتماعية والبحثية والكثير من المؤلفات منها أزمة مياه حوض النيل والأصابع الإسرائيلية عام 2011 وأزمة مياه حوضي دجلة والفرات بين دوافع التنمية وقيود التعاون الإقليمي عام 2015.
وما من شك أن الدولة المصرية بذلت جهوداً عبر التاريخ في تأمين نهر النيل وترويضه وتنميته، كمورد رئيسي للحياة والحضارة المصرية، ووأخذت بعين الاعتبار المحاولات الدائمة لدول المنبع للحصول على حصص مائية من تدفق النهر، رغم هطل مئات المليارات المكعبة من الأمطار عليها، وما لهذه الدول من أنهار أخرى تفقد مياهها إلى المحيطين الهندي والأطلسي، والمخططات الإثيوبية منذ القدم لإقامة السدود والتحكم في مياه النهر .
وهناك مراحل للنزاع حول الحصص المائية بين دول المنبع من جهة ومصر والسودان كدولتي مصب من جهة أخرى، بدءاً من إعلان مصر عن بناء السد العالي في الخمسينات من القرن الماضي، مروراً بمشروع مبادرة حوض النيل، التي بني أثناءها ومن خلالها العديد من السدود في دول الحوض، فضلاً عن تمرير مخطط السدود الإثيوبية، ومشروع الربط الكهربائي بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان، ثم اتفاقية عنتيبي .
ولن ننسى المفاوضات مع دول حوض النيل بدءاً من نهاية التسعينات من القرن الماضي، حتى قيام معظم دول المنبع بالتوقيع المنفرد على اتفاقية “عنتيبي” عام ،2010.. ومخطط السدود الإثيوبية وتاريخه وأهدافه الاستراتيجية وتأثيراته السلبية العديدة على مصر، وبما يمثل خطراً على الأمن القومي المصري .
إثيوبيا شهدت تحولاً كبيراً في سياساتها الخارجية بعد استيلاء مليس زيناوي على الحكم والتقارب مع أمريكا و”إسرائيل”، وتنفيذ الأجندة الغربية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، فضلاً عن الدعم الغربي لإثيوبيا، حتى تتقلد دوراً إقليمياً على حساب مصر وحصتها المائية .

السابق